مع تسارع وتيرة تصريحات النظام التركي للتطبيع مع نظام الطاغية أسد، بالتزامن مع أحداث قيصري، شهد اليوم الأول من شهر تموز/يوليو الحالي حالة غليان في الشارع الثوري في ريف حلب الشمالي، حيث اندلعت هذه الاحتجاجات القوية في كافة مناطق الشمال امتداداً من مدن جرابلس مروراً بالباب وصولاً لعفرين، وفي عفرين توجه المتظاهرون إلى مبنى السرايا الذي يوجد فيه الوالي التركي حيث فتح عناصر الجيش التركي النار على المتظاهرين فارتقى عدة أشخاص وسقط عدد من الجرحى.
وصل لهيب هذه الاحتجاجات الشعبية إلى مناطق ريف حلب الغربي وإدلب، ما يدلل على تجذر الثورة في نفوس أبنائها جميعا.
ومع توسع الحراك قام النظام التركي فجأة بفصل الإنترنت عن كامل الشمال السوري المحرر لتهدئة الوضع الذي بدا بين ليلة وضحاها ساحة مشتعلة ومواجهة أشبه بانتفاضة شاملة.
جاء هذا الحدث بعد ليلة مرعبة عاشها المهجّرون السوريون في مدينة قيصري التركية حيث قامت مجموعات عنصرية بالهجوم على أحياء يقطنها لاجئون سوريون وأضرموا النيران بالبيوت والمحلات واعتدوا على الأهالي ما ساهم في تأجيج موجة الغضب العارمة في الشمال السوري، وأدى إلى هذه الانتفاضة الثورية الجديدة، وخاصة بعد محاولة النظام التركي عبر أتباعه في المحرر من قادة المنظومة الفصائلية المرتبطين، فتح معبر أبو الزندين بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة نظام الإجرام، ومحاولة النظام التركي إدخال ضباط روس إلى مدينة الباب.
ومع أن حدث قيصري كان شرارة إضافية لهذا الحراك الشعبي الواسع إلا أنه كان حدثاً تراكمياً سبقته أحداث متتابعة وتصريحات لمسؤولي النظام التركي الذي يدفع للتطبيع مع نظام أسد وفرض المصالحة على الشعب الثائر في سوريا في خطوة اعتبرها الثوار تمهيداً واضحاً لتسليم المناطق المحررة إلى جزار الشام بهدف وأد الثورة ونسف تضحيات أهلها.
كل هذه الخطوات قوبلت بالرفض الشعبي، وتحركَ الناس لمنع دخول الروس وفتح معبر أبو الزندين رغم إصرار الشرطة العسكرية وقادة الفصائل المرتبطين بالمخابرات التركية على فرض ما يطلبه المعلم التركي.
أما تصريحات النظام التركي وخاصة رأس النظام أردوغان فهي تكاد تكون شبه يومية؛ فتارة يريد أن يجتمع بأسد في روسيا وتارة في العراق، وتارة يصرح بقبوله لزيارة أسد في دمشق وأنه مستعد لاستقباله في أنقرة، في حالة هستيرية من أردوغان تظهر مدى تخبطه واستعجاله في تحقيق أي تقدم ملحوظ خدمة لسيدته أمريكا التي قد تستثمر أي تقدم في الملف السوري وحلها السياسي المسموم.
وبعد صمت نظام أسد لمدة أسبوعين على دعوات الرئيس أردوغان وبعد الحراك الشعبي الواسع الرافض لهذه التصريحات أتت تصريحات نظام أسد الجديدة القديمة مؤكدة على أن شرط دمشق للموافقة على لقاء الرئيسين هو أن تعمل أنقرة على سحب كافة قواتها من الأراضي السورية في الشمال، في تصريحات جاءت منقذة للنظام التركي وليتم تأجيل اللقاء وما يتبعه من تطبيع إلى إشعار آخر، مع تأكيد النظام التركي على اقتراب هذه اللحظة "الحاسمة".
لا شك أن تحرك الناس وانتفاضتهم ورفعهم شعارات واضحة لرفض الوصاية التركية وإسقاط القيادات المرتبطة بالتركي قد أزعج النظام العميل في دمشق المتناغم في تصريحاته للتطبيع والمصالحة مع النظام التركي، بل أكثر من ذلك فإن هذا التحرك المبارك قد جاء كصفعة قوية للنظام التركي جعله يعيد جميع حساباته بعد أن ظن أن الشعب السوري يائسٌ مستكينٌ وأنه جاهزٌ للعودة لنير العبودية وحظيرة النظام المجرم، ليكتشف أنه شعبٌ أبيٌ، وما زال نفَسه الثوري متقداً ووعيه السياسي عالياً على كيد ومؤامرات الدول التي تعمل على وأد الثورة وعلى رأس هؤلاء المتآمرين النظام التركي.
حاول بعض المدفوعين من النظام التركي ركوب الموجة وتصدروا لقيادة الحراك بهدف احتوائه وإخماده لكنهم لم يصلوا لمرادهم، وما زالت الساحة مفتوحة ليكون للمخلصين والصادقين دور في توجيه دفة الحراك للاستمرار والثبات حتى يصل إلى هدفه في رفع الوصاية التركية على الثورة وإسقاط القادة المرتبطين وإيجاد قيادة سياسية وعسكرية صادقة تسير بالثورة إلى بر الأمان.
كما أن لحراك الشمال المبارك دوراً في إعطاء زخم إضافي لحراك إدلب ضد الجولاني الذي هو أداة من أدوات النظام التركي حيث أصبحت التحركات الشعبية والمظاهرات اليومية توجه ضرباتها للأداة وللمعلم في آن واحد في صورة تظهر قوة الحراك ووعيه وارتفاع سقف مطالبه.
إن الأيام القادمة تبشر بخير وخاصة مع وجود حزب سياسي مبدئي يعمل على توجيه دفة الحراك الذي أضحى يشمل كافة المناطق المحررة، حيث يقوم شباب حزب التحرير بالمشاركة في جميع الفعاليات ويقدمون النصح والتوجيه لكل من يرون فيه خيراً من أهل الثورة، يؤكدون فيه على وجوب تبني ثوابت واضحة للحراك ومنع حرفه وإضعافه، وحشد جهود الثائرين نحو الاستمرار في الثورة حتى إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام وعدم الاستسلام للواقع المرير ومكر الدول التي تعمل على إجهاض الثورة والقضاء عليها خدمة لأمريكا وقوى الشر والمكر العالمية.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
رأيك في الموضوع