إن الحركات الإسلامية التي قامت بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية كانت كثيرة وهدفها كان واضحا ألا وهو إعادة الحكم بما أنزل الله واستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
وبما أن هذا الهدف العظيم هو مفتاح الحل لجميع مشاكل المسلمين ويرفع عنهم الذل والهوان وهو الذي سيوحد المسلمين جميعا في دولة واحدة وخلف إمام واحد، انبرت دول الكفر قاطبة للتصدي لهذه الحركات والحيلولة دون نجاحها وانتشارها، كيف لا وهم الذين ما فتئوا يحاربون الإسلام ويعادون المسلمين، وهم من أسقط كيان المسلمين الذي كان حصنهم الحصين؟! فكانت هذه الدول تحارب كل حركة إسلامية بطريقة معينة بحيث لا تظهر العداء للمسلمين وتشجعهم على التوحد والوقوف ضدها.
واستطاعت الدول الكافرة تمزيق وتفتيت هذه الحركات الإسلامية بسبب شيء واحد لا ثاني له؛ ألا وهو العمل على صرفها عن الطريقة الشرعية التي توصلهم لهدفهم وهي طريقة النبي ﷺ في بناء أعظم دولة عرفها التاريخ.
فالنبي ﷺ لم يهادن ولم يقبل المال السياسي الذي يسلبه قراره، ولم يشارك الكفار في الحكم، ولم يداهن الرأي العام المخالف للإسلام ولم يتنازل عن الثوابت التي وضعها في بداية دعوته.
إن انطلاق ثورات ما يسمى الربيع العربي هي في حقيقتها تحرك شعبي رافض للواقع الفاسد الذي يتحكم في البلاد العربية، وسعي لتغيير أنظمة الحكم القمعية العلمانية.
وفي مقدمة هذه الثورات كانت ثورة الشام المباركة حيث تبلورت شعاراتها وثوابتها الإسلامية.
فعندما بدأت هذه الثورة المباركة بشعاراتها الإسلامية وأهدافها أيضا أحست دول الكفر بالخطر المحدق، فهذه الثورة ليست كباقي الثورات والتحركات الشعبية الأخرى والتي تمكنت بسهولة من القضاء عليها وتفريغها من شعاراتها. فضلا عن أن هذه الثورة قد خرجت من المساجد تطالب بتحكيم شريعة الرحمن ومن بين هتافاتهم "الشعب يريد خلافة من جديد"، "الشعب يريد إسقاط النظام"...
فبدأت الدول الكافرة كعادتها بمحاربتها عسكريا؛ ابتداء من خلال إدخال روسيا وإيران وحزب إيران والمليشيات العراقية لصد هذه الثورة المباركة ولردها عن مبتغاها وثنيها عن هدفها بإسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه.
ولكن هيهات هيهات أن تستطيع القضاء على ثورة خرجت تصدح بشعار (قائدنا للأبد سيدنا محمد)، تستمد قوتها من توكلها على الله عز وجل، ومن له قوة أمام قوة الله؟!
فاستخدموا الأسلوب الثاني أو الخطة "ب" لمواجهة هذه الثورة ألا وهي الأعمال السياسية (الفخاخ السياسية)، من خلال المؤتمرات التي عقدت لتغيير مطالب الناس وحرف مسار الثورة وتهدئة النفوس الثائرة ووعود فضفاضة...
وبالفعل نجحت دول الكفر بداية في النيل من هذه الثورة وتكسير أجنحتها عن طريق الخداع والكذب وعن طريق وضع قيادات مصنعة لثورة الشام غير مؤهلين لقيادة أعظم ثورة في التاريخ، وكانت هذه هي التي كسرت ثورة الشام وحجّمتها إلى ما هي عليه الآن؛ هؤلاء القادة الذين وضعتهم دول الكفر على ثورة الشام قد تخلوا عن الطريقة التي توصلهم إلى هدفهم وتستجلب نصر الله لثورة الشام، فأخذوا المال السياسي المسموم الذي سلب قرارهم وقرار الثورة وارتبطوا بالدول الداعمة من خلال هذا المال ليكونوا بذلك قد انحرفوا عن طريقة رسول الله ﷺ في إقامة الدولة.
لكن ثورة الشام بما يمتلكه أهلها من وعي وإيمان استطاعت أن تكشف كل الأقنعة وكل المؤامرات التي استخدمت ضدها، فبدت بفضل الله عصية على من يحاول القضاء عليها.
وما نراه الآن من محاولات إصلاح وعقد مؤتمرات داخلية وتحسين الواقع الاقتصادي ليست إلا تخبطات ما قبل السقوط لهذه الطغمة الفاسدة الخائنة، فرغم كل المؤتمرات والمؤامرات ورغم مكر الكفار بثورة الشام ومحاربتها بكل الأساليب والوسائل المتاحة، أثبتت ثورة الشام أنها ما زالت عصية على الدول المتآمرة، وهي شوكة في حلوقهم وسترد كيد الكائدين إلى نحورهم قريبا بإذن الله.
فها هي اليوم ثورة الشام وأهلها قد وعوا على الألاعيب السياسية ضد ثورتهم، وقد أدركوا سفينة ثورتهم قبل أن تغرق، وقد عرفوا طريق النجاة ومفتاح الحل، فتجددت الثورة من جديد وانطلق أهلها ليستعيدوا قرارهم المسلوب ويعيدوا سلطانهم المغتصب من قادة المنظومة الفصائلية عن طريق التزامهم بأوامر الله سبحانه وتعالى وبهدي نبيهم محمد ﷺ وطريقته.
فهم اليوم كجمرة متوقدة من تحت الرماد قامت لترفع الصوت عاليا بأن هذه الثورة لن تُكسر ولن تتراجع ولن تحيد ولن تلين في وجه الطغاة وفي وجه المؤامرات السياسية العالمية، بل هي مستمرة شامخة شموخ الجبال، ثابتة على مبادئها بإسقاط النظام المجرم بدستوره وبكافة أركانه ورموزه، وتحكيم شرع الله على أنقاضه، التزاما بطريقة قائدهم وقدوتهم محمد ﷺ التي تخلى عنها من ادعى نصرتهم من قادة عملاء أدوات للغرب الكافر في ثورتهم المباركة.
فالثورة الآن عادت لتكون عصية على كل متآمر وعدو كافر، فلا يريد أهل الشام الآن استبدال عجل له خوار بفرعون، لا يريدون استبدال قادة فصائل مجرمين ببشار المجرم بل يريدون نظاماً منبثقاً من صلب عقيدتهم.
ولا ننسى أن ثورة الشام قامت من أجل الله فحق على الله أن ينصرها، وحاشاه أن يكسر ثورة على أيدي الكفار قد خرجت تبتغي رضاه وتريد تحكيم شريعته في الأرض، فلم يتبق إلا القليل حتى تعود ثورة الشام إلى مجدها وعزها وسيرتها الأولى، وعما قريب بإذن الله سنشهد انتصار أعظم ثورة في التاريخ بأهدافها وغاياتها واستئناف الحياة الإسلامية عن طريق دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ رامز أماني
رأيك في الموضوع