الرأي العام هو موقف مجموع الناس من قضية ما، أو هو الحكم الذي تصل إليه الجماعة في قضية ما ذات اعتبار ما. ويُعَدّ الرأي العام أحد أهم وأبرز العوامل بل والمشاركة في عملية صنع القرار، فهو قوة مؤثرة في صنع القرار يحسب له ألف حساب؛ فالدول في الأصل لا تخاطر في مخالفة الرأي العام بل تدعي أن قرارها منسجم معه ولا يخالفه، ولو أرادت اتخاذ قرار سياسي مخالف له فإنها تلجأ إلى تغيير الرأي العام أو تضليله والتحايل عليه أو إيجاد مبررات لقرارها.
أما مخالفة الرأي العام فهو مقامرة ومخاطرة بالنظام السياسي وإيجاد شرخ كبير بينه وبين الشعب، لذا تلجأ كل الأنظمة إلى مراعاته وعدم مخالفته وإلا أوجدت النار تحت الرماد في علاقتها مع الأمة، أو أطلقت شتى أنواع التمرد ضد القرار أو ضد من اتخذه.
وقد تحدث القرآن والسنة عن أهمية الرأي العام وبيان أثره وخطورته؛ ففي كتاب الله تعالى مثلاً تحدث عن فرعون الذي وصل به حدُّ الكفر أعلاه حين زعم أنه الإله، لكنه حين أراد اتخاذ القرار السياسي بقتل موسى عليه السلام أدرك خطورة الأمر دون مراعاة رأي الناس وأدرك تبعاته، فطلب رأيهم وحاول إيجاد رأي معه، حيث قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾، جاء في تفسيرها: "وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا، إني أخاف أن يُبَدِّل دينكم الذي أنتم عليه، أو أن يُظْهِر في الأرض الفساد. يبين للناس سبب قراره بقتل موسى ويحاول إقناع الناس به وهو الطاغية الذي قال الله عز وجل في حقه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾".
وكذلك ورد في روايات أنه عندما كان بعض المنافقين ممن يعيشون في كنف الدولة الإسلامية قد ارتكبوا أعمالاً شنيعة، مما يطلق عليه اليوم في قوانين الدول "الخيانة العظمى"، ويتخذ قرار الإعدام طبيعياً لمن ارتكبها وكان هذا موقف بعض الصحابة الذين طالبوا بتنفيذ الحكم الحاسم، إلا أن رسول الله ﷺ كان يرد عليهم كما ورد في الصحيح: «أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».
والحديث هنا عن الرأي العام بنوعيه المحلي والعالمي، فالرأي العام العالمي أشد خطورة على الكيان السياسي في نظر الدول، وقد حاولت قريش شيطنة دولة الإسلام بقولها إن محمدا يقاتل في الأشهر الحُرم، وقد وقع أن النبي ﷺ كان قد أرسل في رجوعه من بدر الأولى عبد الله بن جحش على رأس سرية إلى بطن نخلة يأتيه بأخبار عيرٍ لقريش يقودها عمرو بن الحضرمي، قال ابن كثير: "فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى، وساقوا العير وأسيرين إلى رسول الله ﷺ، فجاءت قريش تعترض على رسول الله ﷺ تقول: استحل محمد الشهر الحرام، شهراً يأمن فيه الخائف ويتفرق الناس فيه إلى معاشهم، فلم يترك لهم الإسلام إذاعة الأمر بدون رد، فرد عليهم جل جلاله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾.
وحتى لا نطيل ونقف عند عنوان المقال، وهو تحول الرأي العام العالمي ضد كيان يهود نقول وبالله التوفيق: إننا نشهد لأول مرة انقلاب الرأي العام العالمي ضد يهود، وقد عاش كيان يهود على هذا الرأي منذ أن أنشأه الغرب الكافر على أرض الإسلام، وكانت جميع أفعاله مقبولة، بل له الدعاية والحق في فعل ما يريد تحت مزاعم أنه ضحية يدافع عن نفسه، وزيّن له الإعلام الغربي تلك المزاعم ونشر له ما يريد، فكان التعاطف الدولي معه لأنه أمام أمة لا تؤمن بوجوده بل تسعى لاستئصاله، وشيطن الإعلام الغربي المسلمين بشتى أنواع الوسائل. لكننا نقف اليوم أمام تغيير حقيقي في الرأي العام العالمي، بل انقلاب بالرأي العام حتى باعترافات يهود أنفسهم. فقد قال ليئور بن دور المتحدث باسم وزارة خارجية كيان يهود: "إن بلاده تعطي الرأي العام العالمي بشأن الحرب في غزة هذه المرة اهتماماً "أقل" من المرات السابقة"، مضيفاً أن "تل أبيب ستواصل الحرب على حركة حماس في قطاع غزة حتى تحقيق أهدافها كاملة مهما طال الوقت".
وكان وزير خارجية كيان يهود إيلي كوهين صرح في وقت سابق: "بأن الضغط الخارجي على (إسرائيل) يتصاعد"، ويقول نفتالي بينيت: "الرأي العام العالمي ليس في مصلحتنا الآن".
وقالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إنها رصدت تغيراً في الرأي العام الغربي خاصة الولايات المتحدة، حيال (إسرائيل) والفلسطينيين بعد اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وإذا ثبت هذا فهل هناك من تأثير على كيان يهود من هذا التغيير؟
مما لا شك فيه أن الرأي العام له أهميته وخطورته كما سبق، بل قلنا إن أكبر طاغية عرفته البشرية أدرك خطورة هذا الأمر، فلماذا يصرح يهود بتقليل أهمية هذا الأمر وعدم مراعاته؟ والجواب أن هذا إنما يدل على فقدان العقلية السياسية عند يهود، وفقدان السياسيين وشدة غباء وعنجيهة من هم في الحكم، وهذا يدفع بالكيان وليس بهم فقط إلى الهاوية وإلى المصير المحتوم، وهذه نعمة من الله علينا؛ أن فقد يهود العقلية السياسية وفقدوا تعاطف الرأي العام العالمي، بل إن حرب غزة أحدثت اتساعاً في الشرخ الداخلي ليزيد ضعف اليهود على ضعفهم وهواناً على هوانهم، لتجد الخلافة الثانية نفسها مع كيان متشرذم منقسم على ذاته مع ضعف في التأييد العالمي فسيقط هذا الكيان بمجرد إعلان الحرب فتدخل الوجوه الطاهرة المسجد الأقصى مرتلة: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.
رأيك في الموضوع