آلاف الأطنان من المتفجرات وعشرات الآلاف من المباني المدمرة وأكثر من 8 آلاف شهيد حتى اللحظة معظمهم من الأطفال والنساء وأكثر من 20 ألف مصاب، وحشودات عسكرية بمئات الآلاف من الجنود النظاميين والاحتياط وتزاحم للآليات العسكرية على تخوم قطاع غزة، وقصف جوي لا يتوقف بأعتى أنواع المتفجرات والصواريخ، ودعم أمريكي، وغطاء أوروبي، وصمت عربي، وحديث عن اجتياح بري بربري لقطاع غزة... ما الذي يخطَّط لقطاع غزة ولأهل فلسطين في ظل هذا الإجرام والدعم الغربي والخنوع العربي؟ وما حقيقة الحشودات العسكرية في المنطقة؟ وغيرها من التساؤلات التي سوف نجيب عليها في هذا المقال.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن هذه الجرائم الوحشية في غزة تظهر الحقيقة العقدية التي أخبرنا الله بها عن هؤلاء القوم البهت الذين جاء بهم من الغرب من أصقاع الأرض وأقام لهم كياناً! فيهود منذ القدم لا يتورعون عن القتل والجرائم، فحتى الأنبياء والرسل لم يسلموا منهم، وتاريخياً منذ أن جاءوا إلى هذه البلاد وهم يسفكون الدماء ويرتكبون المجازر، وسياسياً كانوا وما زالوا يعتاشون على إشعال الحروب والفتن رغم جبنهم عند القتال المباشر، ولذلك فإن ما يحصل في قطاع غزة يعكس طبيعة هؤلاء المجرمين الذين احتلوا هذه الأرض المباركة، هذا إضافة إلى رغبتهم الجامحة في الانتقام بعد الضربة القاسية التي هزت كيانهم ومحاولة يائسة لترميم هيبتهم وقوة جيشهم المزعومة.
ولكن هذه الطبيعة الإجرامية عند كيان يهود لطالما وضعتها الدول الكبرى ضمن إطار سياسي يخدم الغرب وكيان يهود ويحافظ عليه، لا أن يتسبب في نهايته، وقد كان واضحاً أن من يطلق يد يهود إلى الآن في قطاع غزة هي أمريكا التي جاءت برئيسها الذي شَبّه ما حصل بخمسة عشر ضعف أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وقال: "إن (إسرائيل) يجب أن تعود مكاناً آمناً لليهود، وإنه لو لم تكن هناك (إسرائيل) لعملنا على إقامتها"، أما المتحدث باسم البيت الأبيض للأمن القومي جون كيربي فكان أكثر وضوحاً، حيث قال يوم الجمعة على إثر المجازر الدموية بحق المدنيين: "إن الولايات المتحدة لا تحاول فرض أي قيود على (إسرائيل) في عملياتها العسكرية وقصفها المتواصل على قطاع غزة، وأن أمريكا لا تضع خطوطاً حمراء لـ(إسرائيل)، وأن واشنطن تدعم حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها"، فأمريكا هي من يحدد حجم الدماء التي يُسمح بسفكها، وهي منذ اللحظة الأولى للحدث تحركت بقوة وبثقل كبير وأعطت الضوء الأخضر لكيان يهود ليبدأ بحملة التدمير التي نشاهدها الآن في قطاع غزة، وتكفلت له بما يلزمه من ذخائر ومتفجرات، وتحركت على جانبين؛ الأول هو تحييد المنطقة عن التدخل فيما يحصل وذلك بأوامر سياسية واضحة للعملاء ولمن يدورون في فلكها وخاصة النظام الإيراني، وكذلك منع كيان يهود من فتح جبهة أخرى، وعلى الجانب الآخر التدمير الجوي الممنهج لقطاع غزة، وهذا مستمر حتى اللحظة.
وأمريكا تنطلق في سياستها الداعمة لكيان يهود من أرضية استعمارية وتتحرك وفق مصالح استراتيجية لها في المنطقة، وعلى رأس تلك المصالح الاستعمارية الاستراتيجية وجود كيان يهود كخط دفاع متقدم وجسم غريب يعيق وحدة هذه المنطقة ونهضتها، وهي حريصة في المحافظة على مستوى من التوازن لكيان يهود يبعد عنه خطر الانهيار، وهي تسعى حالياً لتمكينه من تحقيق هدف عسكري في قطاع غزة يساعده على ترميم وضعه الأمني الداخلي ويعيد له شيئاً من توازنه الخارجي، وفي المقابل هي تريد أن تجعل من ذلك أرضية لإعادة شيء من الحياة لمشروع الدولتين في الضفة وغزة، وأمريكا إلى اللحظة ترى أن تحقيق ذلك بحاجة إلى تدخل بري أكثر من محدود لقطاع غزة، وقد أرسلت مجموعة من الضباط والمستشارين العسكريين يترأسهم الجنرال جيمس غلين الذي قاد سابقاً العمليات الخاصة لمشاة البحرية الأمريكية (المارينز) في العراق، وهذا يفسر هذه الحشودات العسكرية الضخمة بالتزامن مع التدمير الجوي الحاصل، وهدف أمريكا هو ترك كيان يهود يهجر السكان من الشمال إلى الجنوب وإحداث دمار كبير قبل التوغل البري بشكل يزيد، بنظرهم، نسبة النجاح في العملية البرية التي تريدها أمريكا على غرار الموصل - تدمير ممنهج ودخول بطيء على مراحل -، وتؤخرها حتى تحتاط جيداً لتطورات قد تحدث خلالها وحتى تهيئ الظروف المساعدة لنجاحها عسكرياً وسياسياً وعلى مستوى الأسرى.
وجزء من تلك المصالح الاستراتيجية قد يكون له بُعدٌ إقليمي أكبر من قطاع غزة وربما قضية فلسطين، أي على مستوى المنطقة ككل. ويظهر أن أمريكا تفكر في ترتيبات معينة أبعد من قضية فلسطين تعكسها التحركات الكبيرة وحشد دول أوروبا خلفها، فهنالك مصالح سياسية ومشاريع اقتصادية في المنطقة تريد أمريكا تأمينها على المدى البعيد والاستراتيجي، وتريد أن تشعر العالم أجمع بذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الطريق البري الذي أعلن عنه بايدن في مواجهة المشروع الصيني المعروف، مبادرة الحزام والطريق. وينطلق مشروع أمريكا الذي أعلن عنه بايدن من الهند مروراً بالإمارات والسعودية والأردن وكيان يهود ويصل إلى أوروبا مازجاً بين البحر والبر، والمنطقة بوضعها الحالي لا توفر تلك الأجواء المطمئنة التي تريدها أمريكا لاحتضان مشروعها، ونقصد هنا عدم تصفية قضية فلسطين وتسوية ما تبقى من ترسيم حدود مع لبنان وسوريا، وأيضاً الوجود العسكري وليس السياسي لمليشيا إيران في لبنان والعراق وسوريا، خاصة وأن تلك المليشيات أدت الدور المطلوب منها خدمة لأمريكا وملفات أخرى متعلقة بالوجود الروسي في سوريا وغير ذلك.
وفي الختام فإن قطاع غزة يتعرض لعملية تدمير ممنهجة على غرار الموصل، وهنالك تحضير لعملية عسكرية ضخمة. وهنا لا نريد التقليل من شأن استعدادات الفصائل، ولكن نريد للشعوب وللجيوش أن يدركوا حجم الخطر المحيط بأهل غزة والمجاهدين، وأن هذا ليس فيلماً سينمائياً لترى الأمة الخاتمة والحلقة الأخيرة، وهل يموت البطل أو ينجو، بل إن هذه تحركات من كيان يهود بغطاء غربي وأمريكي لتحقيق هدف عسكري وسياسي مهما كلف من دمار وسفك للدماء، ولذلك لا يوجد وقت لمتابعة ماذا سوف يحصل، ورأي الخبراء العسكريين في سيناريوهات المعركة، وحالة الإسكار للرأي العام في تفاصيل عسكرية بعيدة كل البعد عن تصوير حجم الخطر، وعن أهمية وضرورة التحرك العسكري الجاد والفوري من الأمة وجيوشها لإنقاذ أهل غزة ونجدة المجاهدين قبل فوات الأوان.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع