من يرى حال مصر وأهلها يدرك ما تمر به من أزمات ويدرك أن التغيير فيها حتميا ولازما، والغرب يدرك هذا يقينا ولعله يقول الآن (بيدي لا بيد عمرو)، فربما يسعى لتغيير الأدوات أو تلميعها ليبقي على النظام نفسه لأطول فترة ممكنة، ولهذا رأينا الأصوات تتعالى هذه الأيام مطالبة بتنحي رأس النظام وخروجه من المشهد خروجا آمنا، وظهر منتقدون لسياساته وقراراته ممن تربوا في أحضانه وكانوا من أركانه في عهد مبارك، وقيل إن نجله جمال يعتزم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة، بخلاف النائب المعارض أحمد طنطاوي الذي أعلن عن نيته الترشح صراحة ومن داخل مصر أيضا، ثم حسام بدراوي أحد أقطاب الحزب الوطني أيام مبارك الذي تحدث مع الإندبندنت داعياً إلى تراجع المؤسسة العسكرية عن الاستثمار والمنافسة، وأن "تظل حامية الدولة، والدستور"، ومطالبا بتداول السلطة، والمقالات الموجهة والمغلفة التي تخرج بين الحين والآخر من عماد أديب المعروف بصلته الوثيقة بالنظام ورؤوسه، في محاولات للتغيير والإصلاح من داخل النظام بتغيير الأدوات التي تنفذ السياسات الفاشلة، وكأن المشكلة فيمن يطبق الديمقراطية، وليست في الديمقراطية نفسها وعجزها عن علاج مشكلات الناس! ولعلمنا بواقع النظام الذي لا يقبل بمعارضة حقيقية ولا حتى بمنافسة في العمالة، فإنه لم يكن لتلك الأصوات التي تدعي المعارضة أن تعلو لولا أنها من جنس النظام وأن النظام أو سادته في الغرب راضون عنها ويقفون خلفها ولولا أنهم يمسكون بخيوطها، ويحاولون من خلالها اكتساب مزيد من الوقت ريثما يجدون ما يخدعون به أهل مصر البسطاء وما يستطيعون من خلاله ترقيع النظام ليبقى مزيدا من الوقت محافظا على تبعية مصر للغرب وبقاء هيمنته على ثرواتها ومواردها.
إن من يعمل لتغيير النظام من خلال الديمقراطية يدور في حلقة مفرغة ويخرج من فشل إلى فشل؛ فالأزمة في الديمقراطية نفسها وليست فيمن يحكم بها ويطبقها على الناس، ولا في تداول السلطة من خلالها أو نزع صلاحيات حاكم أو منعه من الترشح، فالأزمة في كون النظام من نتاج عقل بشري يخضع للهوى والرأي وتؤثر فيه المصالح العقلية القاصرة، ولا ضمانة فيه لعدل الحاكم الذي تضعه فوق المساءلة وفوق القانون، خاصة في بلادنا التي لا قوانين فيها أصلا، والغرب نفسه يعاني في ظل الديمقراطية لأن من يتحكم فيها وفي الشعوب والدول التي تخضع لها هم أصحاب رؤوس الأموال فهم بنفوذهم وأموالهم من يختارون الحكام في الغرب وحتى في أمريكا نفسها، هذا في بلاد الغرب التي تملك قرارها فكيف ببلادنا التي لا قرار لها؟
إن من يعمل للتغيير دون أن يحمل في يده وقلبه مشروعا بديلا، بل نجزم أنه إن لم يحمل الإسلام بنظامه ودولته ومشروعه الحضاري كبديل حقيقي فعليه أن يلزم بيته ويوفر جهده فهو جزء من النظام وجزء من المؤامرة التي تحاك لمصر والأمة، والتي تهدف لبقائها في ربقة التبعية والاستعباد إلى ما شاء الله، فلن يخرج مصر مما هي فيه إلا الإسلام، فما الذي يميز الإسلام عن غيره ويجعله السبيل الوحيد للتغيير الحقيقي لحال مصر والأمة بعمومها بل وللعالم أجمع؟
إن مصدر النظام الإسلامي ليس العقل وإنما هو وحي الله عز وجل الذي يعلم طبائع وعادات وحاجات البشر جميعا في كل زمان ومكان، وبالتالي فما يصدر عن الوحي من معالجات هي معالجات حقيقية جذرية لا تناسب فئة دون فئة ولا تميز طائفة عن غيرها ولا تفرق بين أبيض وأسود ولا مسلم أو غير مسلم، بل تجعل الجميع متساوين أمام الدولة في الحقوق والواجبات، والشرع يوجب على الأمة محاسبة الدولة لقوله ﷺ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ». والحاكم المخالف للشرع لا سمع له ولا طاعة لما رواه عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ قال: «سَيَلِي أُمُورَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ وَيَعْمَلُونَ بِالْبِدْعَةِ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ كَيْفَ أَفْعَلُ؟ قَالَ: تَسْأَلُنِي يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ تَفْعَلُ لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ»، هنا تكمن الضمانة في وجوب محاسبة الأمة للحاكم، ووجوب قبول الحاكم للمحاسبة. فأحكام الشرع لا تخضع للهوى ولا تستنبط أو تصاغ لترضي الحاكم ولا لتسوغ له مخالفة الشرع بل هي أحكام لازمة ملزمة للحاكم وللرعية على حد سواء، ولهذا فإن القول بإمكانية التغيير بمعزل عن الإسلام ومن خلال الديمقراطية هو نوع من العبث لا طائل منه، فالتغيير لا يكون أبدا من داخل النظام بل يكون باقتلاعه من جذوره بكل أدواته ورموزه وتطبيق الإسلام فهو وحده الذي يملك حلولا لمشكلات مصر والأمة بل والعالم كله، وقادر على عبور كل الأزمات فقط إذا طبق تطبيقا كاملا بكل أنظمته التي تعالج كافة نواحي الحياة من اقتصاد وسياسة وتعليم وصحة وقضاء وأمن... الخ.
أيها المخلصون في جيش الكنانة: إن الأمة بعمومها قدمت وتقدم الكثير والكثير من التضحيات في سبيل تحررها وانعتاقها من هيمنة الغرب وعملائه الحكام الذين ما كان لهم أن يعتلوا تلك العروش ولا أن يقهروا الأمة ويحكموها بنظام الغرب وقوانينه دون انحيازكم له وتنفيذ أوامره حتى صرتم يده التي يبطش ويقهر الناس بها، وإن واجبكم تجاه أمتكم الآن هو نصرتها ونصرة دينها والعمل مع المخلصين من أجل وضعه موضع التطبيق طلبا لرضوان الله وطمعا في نيل جنته، فكونوا كما أراد الله لكم؛ أنصارا لدينه حتى تقام فيكم وبكم دولته من جديد الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع