أعلنت السعودية يوم الثلاثاء 01/08/2023م عن وديعة جديدة للبنك المركزي في عدن بمبلغ مليار و200 مليون دولار، لسد العجز في موزانة حكومة عدن ودفع أجور ورواتب موظفي القطاع العام، والنفقات التشغيلية الضامنة للغذاء الآمن في المحافظات الجنوبية. بين الحين والآخر تقوم السعودية بتقديم الودائع لحكومة عدن فما سر ذلك؟ فقد سبق لها منفردةً ومشتركةً مع أبو ظبي أن قدمت عدداً من الودائع بمليارات الدولارات للبنك المركزي في عدن منذ انتقاله من صنعاء إلى عدن في أيلول/سبتمبر 2016.
حتى تتضح الرؤية لدينا، علينا تشخيص نظام الحكم في الرياض أولاً، هل هو مستقل أم تابع ولمن تبعيته؟ فالدرعية التي أسس فيها الإنجليز عرش محمد بن سعود عام 1778م، وألحقوا به عرش عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عامي 1926 و1932م، باتت اليوم عمالته لأمريكا بيد سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد، التي قادها فهد بن عبد العزيز ومعه إخوته السديريون سلمان والهالكان نايف وسلطان.
أما الودائع المقدمة من الرياض فهي مال مقابل ربا يثقل كاهل أهل اليمن، ومشروطة بإجراء بعض التعديلات كتوحيد الإيرادات المبعثرة، وتسمية شخص بعينه محافظاً للبنك المركزي بعدن. أما المحافظات الجنوبية فقد وقعت في شرك نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، مع بقاء السيولة في صنعاء، ما اضطرها لطبع عملات جديدة بالاتفاق مع البنك الدولي، دون تغطية ذهبية، ما أفقدها قيمتها الشرائية أمام الدولار والعملات الصعبة بمقدار النصف تقريباً. وزاد على ذلك إيقاف تصدير النفط الذي فرضه عليهم الحوثيون منذ إعلان لجنتهم الاقتصادية العليا في تشرين الأول/أكتوبر 2022م وتحذيرها للشركات النفطية المحلية والأجنبية العاملة في اليمن، باستهداف سفنها التي تقوم بتحميله من موانئ التصدير في اليمن. ما زاد حملاً اقتصادياً إضافياً على البنك المركزي وحكومة عدن، وهذه القروض تشبه في النهاية قروض البنك وصندوق النقد الدوليين التي تنتهي ببيع عدن أصولاً اقتصادية من مؤسسات وحقول نفطية للسعودية، لاستيفاء ودائعها.
كل هذا يأتي متزامناً مع قيام السعودية بالتدخل العسكري في المحافظات الجنوبية من القصر الرئاسي في معاشيق بعدن وصولاً إلى محافظات حضرموت والمهرة، وإقامة تشكيلات عسكرية من ألوية ومعسكرات، والقيام بتبديل القيادات العسكرية.
من العبث إذن أن نقول بأن السعودية تعمل من تلقاء نفسها، فالظاهر بوضوح أن أعمالها تصب في تحقيق مخططات أمريكا بانتزاع اليمن من السيطرة البريطانية وتحويلها لسيطرتها. فقد أشارت جملة من التقارير الصادرة في الأعوام 2009 - 2010م عن مراكز دراسات أمريكية متعددة ومختلفة، بأن الداخل لبسط نفوذه في اليمن لا بد له أن يأتي عن طريق السعودية. من جانب آخر فقد فرضت أمريكا على حكومة باسندوة في حزيران/يونيو 2014م إجراء تعديل وزاري أصبح فيه محمد منصور زمام وزيراً للمالية، ثم أعفته بريطانيا في حزيران/يونيو 2015م، لتفرضه أمريكا في شباط/فبراير 2018م محافظاً للبنك المركزي بعدن، متزامناً مع تقديم السعودية وديعتها الأولى، التي اشترطت فيها توحيد الإيرادات للبنك المركزي في عدن، بما فيها الإيرادات النفطية التي توردها الحكومة لحسابات في البنك الأهلي السعودي، وكانت مهمة تحقيق شرط الرياض ملقاة على عاتق زمام، الذي أعفته بريطانيا من منصبه في آذار/مارس 2019م لصالح حافظ معياد.
إن السياسة الأمريكية ترنو إلى إعادة رسم حدود سايكس بيكو للشرق الأوسط، بمزيد من التفتيت، ووضع يدها على منابع نفطه، وإضعافه والحيلولة دون توحيده في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
أما ودائع السعودية للبنك المركزي بعدن فهي ليست سوى يد أمريكا في المحافظات الجنوبية، التي تشبه برامج ومشاريع وقروض البنك الدولي في اليمن منذ 1995م وصندوق النقد الدولي منذ 2010م، مدمرة مقومات الاقتصاد فيه، وتوجيه إيراداته لتسديد ربا قروضهم، وبسط سيطرتهم على اقتصاده، وزيادة معاناة الناس وتوسيع رقعة الفقراء لتشمل الطبقة الوسطى. إن الهدف الحقيقي لودائع حكام آل سعود لحكومة عدن هو الإمساك باقتصاد جنوب اليمن من مخانقه، وجعل قبضه وتصريفه بحسب ما تخططه أمريكا.
لقد فشل الاقتصاد الرأسمالي في تحقيق الرفاهية والحياة المطمئنة لأهله، رغم نهبه لثروات العالم النفطية والمعدنية والزراعية والبحرية والسمكية والبشرية وإفقاره، فالديون المرعبة تزلزله والأزمات الاقتصادية مآله.
إن رفاهية وطمأنينة البشرية وليس المسلمين وحدهم هي بإزالة هيمنة النظام الرأسمالي عنها، ووضع نظام الإسلام موضع التطبيق في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع