يسعى حكام باكستان إلى نيل رضا الموقف الدولي من خلال ملاحقة التشدد في المناطق الحدودية، على أمل تحويل هذا الرضا إلى مكسب جيوسياسي، وهذا أحد أسباب تسليطهم الضوء على خطر التشدد في المناطق الحدودية.
إن فرض السلطات الباكستانية إجراءات صارمة على الحدود هو مصدر توتر بين باكستان وطالبان الأفغانية، فتخشى السلطات الباكستانية من فتح الحدود مع أفغانستان لأن هذا سيؤدي إلى تكامل طبيعي لكلا الاقتصادات، وسيتعين على القدرة الإنتاجية لباكستان تلبية احتياجات الأسواق الباكستانية والأفغانية (وهو أمر يمثل ميزة للصناعة المحلية)، كما أن تهريب الدولارات والأسمدة والقمح وما إلى ذلك إلى أفغانستان يقلق الحكام غير الأكفاء في باكستان، وتخشى السلطات الباكستانية من انتقال المسلحين من أفغانستان إلى باكستان وتطرف المدارس الباكستانية من خلال تفاعلها مع كوادر طالبان الأفغانية. بالنسبة لحركة طالبان الأفغانية، فإن الارتباط بباكستان واقتصادها هو شريان الحياة لاقتصادهم، بالتالي فهم مهتمون بفتح الحدود. وتُعتبر الحدود أيضاً قضية حساسة للغاية بالنسبة لقبائل البشتون التي لم تقبلها أبداً، باعتبارها تقسّم القبائل والعائلات نفسها في دولتين مختلفتين.
هناك صدام بين المسلحين في المناطق الحدودية الباكستانية والدولة الباكستانية بدعم سلبي - ولكن غير نشط - من حركة طالبان الأفغانية، ولم تقبل القبائل الحدودية مطلقاً الاختراق العميق لهياكل الدولة في مناطقها، وترى أن هذه الهياكل تمثل انتهاكاً لاستقلاليتها وحريتها، وهذا هو سبب رفضهم لاندماج منطقة القبائل في الدولة الباكستانية، حيث يعتبرون ذلك هجوماً منها على استقلاليتهم، لذلك طالبوا بإعادة النظر في هذا الاندماج، هذا بالإضافة إلى اقتناعهم العقدي بعدم شرعية الدولة الباكستانية بوصفها دولة علمانية تابعة لأمريكا، ما حملهم على حمل السلاح ضدها.
لا تدعم حركة طالبان الأفغانية حركةَ طالبان باكستان كثيراً، لكنها ترفض استهداف قواعدها في أفغانستان، وحركة طالبان الأفغانية ليست على استعداد لشنّ هجوم على قواعد حركة طالبان باكستان من جانبها للأسباب التالية:
أ- من وجهة نظرهم، إذا لم تنجح باكستان وأمريكا في سحق التشدد في المناطق الحدودية، فكيف ستنجح حركة طالبان الأفغانية في مثل هذا المسعى؟!
ب- لا تملك حركة طالبان الأفغانية القدرة على القيام بمثل هذه العمليات واسعة النطاق ضد التشدد في المناطق الحدودية.
ج- ستقوّض حركة طالبان الأفغانية شرعيتها الجهادية إذا تحركت ضد إخوانها الجهاديين، فهي تخشى من فقدان الشرعية داخل كوادرها إذا ما قامت بقمع قواعد حركة طالبان باكستان في أفغانستان.
د- تعرّضت الحكومة الأفغانية تحت حكم طالبان نفسها لموجة من التفجيرات التي تبنّاها تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، لذلك فهي تخشى من أن أي عمليات ضد حركة طالبان باكستان قد تشجّع بالفعل عناصر حركة طالبان باكستان على الانضمام إلى تنظيم الدولة في خراسان، أو تدفعهم إلى توجيه أسلحتهم إلى النظام في كابول بأنفسهم، لذلك إذا لم يتم التعامل معهم بحكمة، فإن تهديد التشدد في شرق أفغانستان - من وجهة نظرهم - يمكن أن يتحول إلى جبهة مناهضة لطالبان الأفغانية.
هـ- تريد حركة طالبان الأفغانية تطويع الحدود بين باكستان وأفغانستان، وتهديد حركة طالبان باكستان في المناطق الحدودية، والعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الباكستاني ضد حركة طالبان باكستان سيجعل هدفها المتمثل في جعل خط دوراند حداً ناعماً أكثر صعوبة، وهذا هو سبب رغبتها في مساعدة باكستان في الحدّ من تهديد حركة طالبان باكستان دون أن يكلّفها ذلك الكثير، لذلك ترى طالبان الأفغانية أن أفضل طريقة للوصول إلى هدفها هو من خلال تسهيل المفاوضات بين السلطات الباكستانية وحركة طالبان باكستان، والتي حاولت التوسط فيها ولكنها لم تنجح في تحقيق نتائج مهمة.
تنظر حركة طالبان الأفغانية إلى تهديد حركة طالبان باكستان على المنطقة الحدودية الباكستانية كوسيلة لصدّ النفوذ الباكستاني داخل أفغانستان، وقد تنظر إلى هذا على أنه نفوذ ضد الدولة الباكستانية. مع ذلك، فإن مثل هذه السياسة لا تمثل دعماً نشطاً لحركة طالبان باكستان بدلاً من ذلك، كما ذُكر أعلاه، فهذا دعم سلبي من خلال محاولة المساعدة في تسهيل المفاوضات بين الحركة والدولة الباكستانية.
تعكس الهجمات المتشددة التي تشنّها حركة طالبان باكستان على الدولة الباكستانية صراعاً منخفض المستوى من ناحيتها للحفاظ على الاستقلال الذاتي للقبائل الحدودية والتوصل إلى نوع من التسوية مع السلطات الباكستانية، حيث يمكنها الحصول على بعض الاستقلال والحكم الذاتي لمنطقة القبائل القبلية، ولكن المؤسسة العسكرية الباكستانية ليست على استعداد للتنازل عن مثل هذه المساحة للمسلحين في المناطق الحدودية خوفاً من وجود صلة جهادية تمتد من وإلى كابول، وتريد المؤسسة العسكرية الباكستانية لحركة طالبان الأفغانية أن تمارس ضغوطاً على حركة طالبان باكستان، ولا تريد إجراء عمليات واسعة النطاق ضد المسلحين في المناطق الحدودية، لأن مثل هذه العمليات ستترتب عليها تكلفة اقتصادية وعسكرية كبيرة، كما أن المؤسسة العسكرية تخشى من العواقب الاقتصادية لمثل هذه العمليات العسكرية، من حيث تنفير الاستثمار الأجنبي في باكستان، ويسعى النظام الباكستاني من خلال الخطاب العام للضغط على طالبان الأفغانية والحصول على مساعدتها في التعامل مع حركة طالبان باكستان.
تتخذ أمريكا من قضية التشدد في مناطق الحدود الباكستانية الأفغانية ذريعةً للتدخل في الشؤون الأمنية للمنطقة للحفاظ على سلامة البنية التحتية لـ(مكافحة الإرهاب) في المنطقة، ويبدو أن أمريكا تريد استخدام ضغط المؤسسة العسكرية الباكستانية على حركة طالبان الأفغانية كعصا لإجبارهم على الانصياع التام لمطلبها بالخضوع التام للنظام العلماني الدولي وقبول المطالب الأمريكية بتدخل العملاء الأمريكيين في النظام السياسي الأفغاني، وإزالة مخلفات النظام القديم وإدخال إصلاحات في الدولة الأفغانية. الاشتباك الأفغاني بين طالبان وباكستان يساعد في إبقاء باكستان مركزة على حدودها الغربية ويبعد انتباه الجيش الباكستاني عن حدودها الشرقية، ما يسمح للهند بالتركيز على تسلحها العسكري لمواجهة الصين بدلاً من باكستان.
في الختام، فإن الصدام بين السلطات الباكستانية وطالبان الأفغانية هو صدام بين المسلمين، وهو نتيجة مباشرة للحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار البريطاني بين شعب واحد من المسلمين قسّموه إلى شعبين. إنها الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فقط التي ستنهي العداء بين الإخوة، وتوحّد المسلمين في باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى تحت حكم الإسلام، وتوحّد بلادهم وقوتهم ومواردهم لجلب الأمن والأمان والازدهار لجميع المسلمين.
بقلم: المهندس معز – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع