إن حكامنا وأنظمتهم وقوانينهم ودساتيرهم التي يحكمون بها بلادنا ليسوا من جنس الأمة ولا ينسجمون معها بل هم وبال وبلاء عليها، فالحكام هم وكلاء للغرب على حكم الأمة، والأنظمة والقوانين هي أنظمة الغرب وقوانينه المنبثقة عن وجهة نظره في الحياة، والأمة تدرك هذا بفطرتها ولهذا فلا مجال لانسجامها معها، ولهذا كانت الحاجة ملحة لمن يخدعون الناس باسم الإسلام وفي صورة ولباس علمائه يشرعنون تلك الأنظمة ويلبسون قوانينها لباس الإسلام بدعوى أن ما يصدر عنهم هو الفهم الصحيح للإسلام كونهم رجال الأزهر وأهل الاختصاص دون ربط فتاواهم بدليل شرعي أو حتى شبهة دليل ولو بلي عنق الأدلة والنصوص! فقد تعدوا هذا الأمر فهم لا يخاطبون الناس بنصوص شرعية يؤولونها على غير ما تحتمل، بل صاروا يخالفون النصوص الشرعية الثابتة سواء أكانت قطعية أم ظنية، والأمثلة كثيرة، فهذا شيخ الأزهر يصف من يحرم تهنئة النصارى بأعيادهم بأنه لا يفقه في الإسلام، مؤكدا أن المعايدات والتهنئة بالأعياد من البر، ويقول إن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، ولا محل ولا مجال أن يطلق على النصارى أنهم أهل ذمة، لافتا إلى أن مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام ولا عن فلسفته، وأن مصطلح المواطنة هو التعبير الأنسب، والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات، وأوضح أن المواطنة معناها المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعا بحسب ما نقلته روسيا اليوم في 30/12/2021م، دون أن يبين واقع هذه الأعياد وهل فيها ما يخالف عقيدة الإسلام أم لا، ثم يأتي على مصطلح أطلقه رسول الله ﷺ، كمن يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيدعي أنه لا مجال لإطلاق مصطلح أهل الذمة على النصارى على ما فيه من بر وعدل وقسط كونهم في ذمة الله وذمة رسوله ﷺ حيث يقول ﷺ: «أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِداً لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً» ثم يدعونا لأن نستبدل به المواطنة، التي يقصد بها الارتباط بحظائر وأقفاص سايكس بيكو التي وضعها لنا الكافر المستعمر لتفرق بيننا وبين إخواننا من أمة محمد ﷺ فيصبح النصراني في مصر أقرب لنا، على حسب قوله، من المسلم في الهند والصين وحتى فلسطين وسوريا والعراق، فيدعونا دعاية خبيثة لاستبدال رباط الوطنية والمواطنة الذي يريده الغرب الكافر وأدواته من الحكام برباط العقيدة الذي يجمع الأمة.
مثال آخر من الأمثلة الفجة لعلماء السلطان في زماننا ذلك المدعو مجدي عاشور مستشار مفتي مصر الذي أفتى أن الاحتفال بميلاد المسيح جائز من الناحية الشرعية مضيفاً أنه "يؤجر عليه صاحبه"، وأضاف أن "الإسلام ليس في خصومة مع أصحاب الأديان ويوجد قاسم مشترك بين هذه الأديان". وأكد أن "الاحتفال بميلاد السيد المسيح يجوز لأنه رسول ونبي من الله، ومن يحتفل به تقربا من الله يؤجر عليه". (تي آر تي عربي 23/12/2021) يأتي هذا الكلام مع فتوى مفتي مصر بجواز التهنئة وما أسلفنا من قول شيخ الأزهر بخلاف كل العلماء المعتبرين في الماضي والحاضر في حرمة الاحتفال وتهنئة النصارى بهذه المناسبة لما فيها من تناقض واضح مع عقيدة الإسلام وقطعياته؛ فالمسيح عليه السلام لم يمت ولم يصلب بل رفعه الله إليه بينما هذا العيد هو عيد ميلاد ابن الرب أو الرب حسب ما يعتقده النصارى، فكيف بربكم نهنئ من يدعي لله الولد بميلاد هذا الولد ونحن نقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾؟! وهاك ما قاله ابن القيم في أحكام أهل الذمة (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه).
لم يكتف مجدي عاشور بفتواه الشاذة تلك بل أتبعها بفتوى لا تقل عنها شذوذا ولا خطورة ففي برنامج على فضائية خاصة سُئل عن رأي الدين بشأن "الصحبة بين الولد والبنت" فأيد عاشور الصداقة بين الرجل والمرأة بشرط حفاظ الرجل على زميلته أو صديقته كالحفاظ على أخته وعدم إيذائها في مشاعرها، فقال: "ما هي آليات الصداقة؟ ممكن تكون زميلتك ولكن حافظ عليها كأختك ولا تؤذها في مشاعرها أو ترتكب شيئا محرما معها، ولا حرمة فيها في إطار الأمور الشرعية" حتى قال "إن خروج الولد والبنت معا وجلوسهما في مكان عام هو جائز بشرط أن يعاملها كأخته". (الجزيرة مباشر 25/12/2021) ولا ندري من أين أتى بهذه الفتوى حيث لم يذكر لنا سندا واحدا بل خالف النص الشرعي الثابت، وهل يخفى عليه حرمة العلاقات والصداقة بين الرجل والمرأة؟! وماذا نفعل بقوله تعالى ﴿وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾؟! وهل يجهل عالم مثله أن العلاقة الوحيدة التي أجازها الشرع بين الرجل والمرأة هي الزواج؟ وأين هي أوامر الله التي تمنع الاختلاط والخلوة وتأمر بغض البصر؟ وكأنه لم يسمع عنها شيئا!
إن أئمة الجَور لا يَبنون أُمماً، ولا يُقيمون حضاراتٍ، بل إنّ بقاء سلطانهم قائم بالدرجة الأولى على نشر التخلف بين أفراد المجتمع، وإشغال النّاس بالرَّكض وراء لقمة العيش، ومما يعينهم على ذلك علماء السلاطين الذين سخَّروا منابرهم وعلمهم لتركيع الشعوب، وهم يمتطون علماء السوء في هذا السبيل، فعلماء السلاطين من أسباب تخلف الأمة وضياع دينها وحقوقها وتمكين هؤلاء الحكام وكلاء الغرب الكافر منها حتى صارت كل بلادنا تابعة خاضعة له تأتمر بأمره وتحتكم لأنظمته وقوانينه فهم أول من ركن للذين ظلموا حتى أصابتهم النار، أخرج ابن عدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ فِي جَهنَّمَ وَادياً تَستَعِيذُ مِنْهُ كُلِّ يَوم سَبْعِينَ مَرَّةً، أعَدَّهُ اللَّهُ لِلقُرَّاءِ المُرَائِينَ بِأعْمَالِهِمْ، وإِنَّ أبغَضَ الخَلقَ إِلى اللَّهِ عَالِمُ السُّلطانِ».
أيها العلماء والشيوخ! إنكم مسؤولون أمام الله عز وجل وحاملون أمانة رسول الله ﷺ ودعوته فلا تركنوا إلى الذين ظلموا الأمة وظلموكم معها، وبلغوا أمانتكم حق البلاغ بالبراءة من هؤلاء الحكام وأنظمتهم وقوانينهم التي تخالف ما علمتم من الكتاب والسنة ولتكونوا دعاة خير للأمة تهدونها الطريق الصحيح لاستئناف حياتهم بالإسلام من جديد من خلال دولة تطبق الإسلام عليهم ليصير منهج حياتهم في الداخل وتحمله بهم للعالم بالدعوة والجهاد، رسالة هدى ونور وبر ورحمة للعالمين مسلمين وغير مسلمين، بهذا فقط تستحقون ميراث رسول الله ﷺ ويكون الخير فيكم إلى يوم القيامة، فأعلنوها لله وطالبوا الناس بإقامة دولتهم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، عسى الله أن يقبل منكم ويغفر لكم ما قد سلف ويفتح الخير على أيديكم.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع