حذرت روسيا من خطر وقوع مواجهة كبيرة مع الغرب ما لم تفكر أمريكا وحلفاؤها بجدية في تقديم ضمانات أمنية لموسكو، وأشارت أيضا إلى احتمال حدوث أزمة صواريخ أوروبية، وجاءت التصريحات التي أدلاها سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي في إيجاز صحفي في موسكو وسط توترات متصاعدة بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا وحشد عسكري روسي بالقرب من حدودها.
وفي اتصال عبر رابط فيديو يوم الثلاثاء استهدف نزع فتيل التوتر، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من نظيره الأمريكي جو بايدن تقديم ضمانات أمنية لروسيا بوقف تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً.
وقالت روسيا إنها تنتظر لترى ما سيؤول إليه طلبها رغم أن ريابكوف قال إن من السذاجة توقع الحصول على الضمانات، وفي المقابل حذر بايدن من أن تداعيات الغزو ستكون أكبر بكثير من تلك التي تركتها تداعيات غزو القرم عام 2014 م، أي أن أمريكا ستكون مستعدة لفرض عقوبات قاسية على موسكو تؤدي إلى خروجها من النظام المالي العالمي بعقوبات اقتصادية لم ترها روسيا من قبل، ومعلوم أن اقتصاد روسيا يخضع أصلاً لأنواع مختلفة من العقوبات الأمريكية والأوروبية منذ أزمة القرم.
وللوقوف على حقيقة الأزمة نقول وبالله التوفيق:
إن أزمة أوكرانيا معقدة بشكل كبير وهي تقع ضمن الصراع الروسي الأمريكي الأوروبي وهي مسألة حياة بالنسبة لروسيا ومصلحة استراتيجية كبرى وخطيرة، ولأجل خطورتها وأهميتها تحشد روسيا الحشود الكبيرة لمحاولة فرض حل دبلوماسي تقبله؛ بمعنى آخر إن هدف الحشود ليست الحرب الفعلية وإلا لقام بوتين بغزوها ولم ينتظر لكنه أراد من الحشد تحقيق أهداف سياسية تحت الحشد العسكري هناك.
أما الأهداف التي تريد روسيا تحقيقها من هذه الأعمال فهي: عدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهي مسألة تمثل خطاً أحمر بالنسبة لها حيث تعتبر أوكرانيا جزءاً من دائرة نفوذها الطبيعي ومجالاً لأمنها القومي، بل إنها تعتبرها موطن نشأة الأمة الروسية ذات العرق والتاريخ والثقافة المشتركة، إضافة إلى وجود أقلية كبيرة من الأوكرانيين الروس، وقد أوضح بوتين مراراً وتكراراً أنه يرى طموح أوكرانيا للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي باعتباره تهديداً وجودياً، ولا يرى أي سبب لتقديم تنازلات الآن بعد سنوات من الضغط من أمريكا وأوروبا بشأن هذه القضية. ومن المعلوم أن توسيع حلف الناتو كان على مراحل هي:
التوسع الأول: في 12 آذار/مارس 1999، وذلك عبر ضم التشيك، والمجر، وبولندا، مع وجود رمزية كبيرة للأخيرة، حيث كانت في السابق مقر حلف وارسو.
التوسع الثاني: في 29 آذار/مارس 2004، الذي أدى إلى ضم بلغاريا، وإستونيا، ولاتڤيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوڤاكيا، وسلوڤينيا.
التوسع الثالث: من نيسان/أبريل 2009 حتى الخامس من حزيران/يونيو 2017، وذلك بضم ألبانيا، وكرواتيا، والجبل الأسود، وقد تخللتها أحدات أوكرانيا، وضم أو عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وتأزم العلاقات بين البلدين، وصولا إلى شبه انهيارها.
والآن يدرك بوتين والدولة العميقة خطورة ضم أوكرانيا إلى الناتو بسبب قرب أوكرانيا من روسيا وعلاقتها بالمياه الدافئة في البحر الأسود ومحاولة عسكرة البحر وإعادة بحث ضم القرم لروسيا، فالمسألة مسألة خنق وجودي لروسيا ومسألة حياة أو موت.
أما أهداف أمريكا فهي:
١- طعن روسيا في خاصرتها، وتهديدها في مجالها الإقليمي تهديداً حقيقياً وخنقها، وأخذ هذه الدول لنفوذها سياسياً واقتصادياً، وابتزاز روسيا في مجالها الإقليمي وهذا واضح من خلال دخول أمريكا على تركة الاتحاد السوفيتي.
٢- ثني روسيا عن التحالف مع الصين، والدخول معها في استراتيجية الاحتواء الأمريكي للصين، وتدرك أمريكا إمكانية هذا الهدف من فهم حقيقة العقلية الروسية، إذ المسألة عندهم في المقابل ماذا ستقدم أمريكا مقابل هذا الأمر؟ لذا يطالب بوتين ببعض الأمور التي يرى إمكانية قبول أمريكا لها، فمثلاً هو لم يطلب اعتراف أمريكا بضم القرم لأنه يعلم انعدام هذا الهدف عند الآخر، أما مسألة الضم فقد تقبل أمريكا مسألة تأخيره أو عرض بعض الضمانات لروسيا ولو على حساب أوكرانيا أو النفوذ والمصالح الأوروبية، خاصة أن روسيا تطرح مسألة فنلندا كمثال في عدم ضمها للناتو باتفاق بين العملاقين آنذاك.
٣- عرقلة التقارب الروسي الأوروبي وعرقلة مشروع نورد ستريم 2 لنقل الغاز، بحجة كونه خطراً جيوسياسيا كبيراً على الحلفاء الأوروبيين.
وفي الختام فإن الدول الغربية لا تقيم وزناً للقيمة الإنسانية ولا لحياة الإنسان، فتشعل الحروب لأهداف قذرة جداً من أجل تحقيق مصالحها هي فقط بعيداً عن مصالح البلد المعني بالأزمة، فأوكرانيا قد تصبح ممزقة من خلال انشقاق القسم الغربي كما حدث مع جورجيا أو يفرض عليها اتحاد يكون لروسيا في أوكرانيا حظ سياسي يعطل أي قرار ضد روسيا، وقد تذهب إلى الحرب الأهلية، فالأهداف بين الطرفين لا علاقة لها بمصالح البلد وأهله، والمسألة إن خفت حدة التوتر الآن أو تم الاتفاق على هدوء نسبي فسيكون لفترة محددة فقط لتعود الأزمة من جديد، فالذي يحدث هو ترحيل للأزمة والاستثمار فيها لأهداف أمريكية لا علاقة لها بوحدة أوكرانيا كما تدعي أمريكا لتبقى الحسرة في قلوب العملاء ولعنة تطاردهم حتى تدرك الشعوب حقيقة التلاعب بها.
رأيك في الموضوع