لما بدأ ما يُعرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي قبل سنوات، رفع السيسي الدعم عن الوقود والكهرباء، وحرر سعر صرف الدولار واتخذ إجراءات قاسية لم يسبقه إليها أحد. لكن الخبز بقي بعيداً عن ذلك، محتفظاً بارتباطه الخاص بالفقراء، الذين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات الرسمية. في عهد الرئيس السادات، تسبب قراره خفض دعم الخبز في خروج مظاهرات حاشدة انتهت بتراجعه عن قراره. لكن السيسي بدا أكثر جرأة في اتخاذ مثل هذه القرارات، التي يعترف هو نفسه بأنها إجراءات شاقة على المصريين، فقد اتخذ القرار برفع سعر الخبز المدعم 300%، فقد قال: "إن الوقت قد حان لزيادة سعر رغيف العيش الذي يبلغ 5 قروش فيما يتكلف 55 قرشا، مضيفا أنه من غير المعقول أن يكون 20 رغيفا بثمن سيجارة واحدة".
وكان السيسي قد قال من قبل خلال كلمته في احتفالية المولد النبوي الشريف في 8 كانون الأول/ديسمبر 2016م، أنه "لا مساس بسعر رغيف الخبز سواء حالياً أو مستقبلاً". حينها كان السيسي ما زال متخوفا من أي حراك شعبي، حتى إنه قد قال في كلمته تلك: "العالم احتار لماذا الشعب لم يتحرك، على رغم الإجراءات الصعبة، ولكنه لا يعلم حجم عظمة وصمود هذا الشعب". واليوم نكث السيسي بوعده بعد أن ظن أن الأمور قد استتبت له على جماجم أهل مصر وأنه أصبح ممكّنا ولن يقدر عليه أحد، وأن الخوف قد كبل الناس بعدما قتل منهم الآلاف وسجن عشرات الآلاف، وبدأ يحصي على الناس أنفاسهم ويبطش بكل من يقول كلمة حق، وهو يؤكد في أكثر من مناسبة أن ما حصل في كانون الثاني/يناير 2011 لن يتكرر. هذا ظنه ولكن ظنه هذا سيخيب بإذن الله، وإن مكره إلى بوار، قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
يتحدث السيسي وأركان نظامه عن إصلاح اقتصادي لا يرى الناس له أثرا في واقعهم المعاش، فالشعب يئن ويعاني، ولم ير أي ثمار لما يطلقون عليه إصلاحا اقتصاديا في ظل زيادة أسعار كل الخدمات من كهرباء ومياه وغاز وبنزين وسولار، وفي ظل انخفاض وتدني قيمة الرواتب للعاملين في الدولة، وفي ظل قوانين وممارسات تهدد أمن واستقرار الأسرة المصرية، خاصة قوانين الخدمة المدنية والمعاش المبكر والتصالح في مخالفات البناء. إن هذا النظام هو مجرد نظام جباية وجمع للضرائب، لا يهمه معاناة الناس وحاجاتهم. فقد تسلط على الناس وأذاقهم لباس الجوع والخوف، وهو كل يوم يفجعهم بقرارات تصب في صالحه هو ورجالاته الذين لا يلقون بالاً لمعاناة الناس وبؤسهم. ففي آب/أغسطس الماضي حذفت وزارة التموين ثمانية ملايين شخص من منظومة دعم الغذاء، وأعلنت أنه لن تتم إضافة مواليد لبطاقات التموين لأي أسرة تتكون من أربعة أفراد فأكثر. فالحكومة تضحي بالفقراء في سبيل سداد ديونها ودفع ربا هذا الدين.
وبسبب اتباع سياسات اقتصادية خاطئة وتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي اتسع الفقر في مصر، وبتعليمات من السيسي سعت الحكومة من أجل تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة للحصول على قروض من جهات أجنبية، وحملت الطبقات الفقيرة تكاليف ما يسمى بالإصلاح، فالميزانية المخصصة لبند الأجور في موازنة العام الحالي تقدر بــ262 مليار جنيه ارتفعت عن العام الماضي بنحو 10%، في حين إن معدلات التضخم ارتفعت إلى أكثر من 13%، وهذا يعني أن زيادة الأجور أقل من معدل التضخم، بينما انخفضت قيمة الدعم المقدم من الحكومة مع ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم. ويعد خفض الدعم أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار، تسلمت منها عشرة مليارات دولار.
بينما يتم خفض الدعم المقدم للفقراء من الحكومة، يتمتع الأغنياء ورجال السلطة بدعم غير محدود، لتتكدس خزائنهم بالأموال، فوزارة الداخلية تحصل على 704 مليون جنيه من أموال الدعم، لعلاج ورعاية ضباط الشرطة والمحالين للمعاش وأسرهم، والأندية (الاجتماعية) لهيئة الشرطة، كما تحصل وزارة الطيران المدني على 1.6 مليار جنيه لصندوق تطوير الطيران، ووزارة الإنتاج الحربي 1.8 مليار جنيه. ورغم أن وزارة التضامن الاجتماعي تأتي في الصدارة بحصولها على 101 مليار جنيه، لكن النصيب الأكبر منها والبالغ 82 مليار جنيه تقول الحكومة إنه مساهمة منها في صناديق المعاشات، لكن الحقيقة أنها مستحقات لصناديق المعاشات على الخزانة العامة. كما تحصل الهيئة الوطنية للإعلام على 331 مليون جنيه، بخلاف 94.5 مليونا للمجلس الأعلى للإعلام. وفي المقابل نجد المجلس القومي لشؤون الإعاقة يحصل على نصف مليون جنيه فقط. ولم ترد في طلبات صندوق النقد الدولي مسألة خفض الدعم للمؤسسات الصحفية والإعلامية الخاسرة، وربما كان مستفيدا منها، حيث تقوم تلك المؤسسات بتحسين صورته وتبرير مطالبه بين الجماهير الغاضبة من توصياته، التي تسببت في ارتفاع نسبة الفقر.
فهل هذه عدالة؟! وهل هذه دولة ترعى شئون الناس؟! لقد تسلط هؤلاء الحكام على رقابنا ليحفظوا مصالح الغرب في بلادنا، وطالما هم قادرون على قمع الناس وقهرهم ومنع أي حراك شعبي لإسقاطهم، فلا يهمهم إفقارهم ولا يلقون بالا لمعاناتهم، فدولهم ليست دول رعاية، وهي أنظمة لا تمت لعقيدة الناس بصلة، ومن الواجب على أبناء الأمة السعي حثيثا لإسقاطهم والتخلص من شرورهم وإقامة نظام الإسلام الذي يرعى شئونهم بالعدل والإنصاف.
رأيك في الموضوع