إن قضية فلسطين ليست قضية مجهولة، بل إنها من أكثر قضايا العالم ذكرا في وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، ولطالما قُدمت بصددها مقترحات لحلها، سواء من أهلها وأصحابها المسلمين العرب والعجم، أم من أعدائها وأصدقاء كيان يهود الغاصب. وقد طرحت تلك الحلول على مختلف الصعد السياسية والمنصات الخطابية، بل والميادين العسكرية، ولكن تلك الحلول لم ترتق إلى المستوى اللائق بها. ويكاد المرء يفقد البوصلة الصحيحة التي ترشد إلى حلها الوحيد، وذلك من كثرة المقترحات والطروحات، إذ لم تحظ قضية من قضايا العالم للتشويش والتشويه والمغالطة مثل ما حظيت به قضية فلسطين.
وإن أبرز تلك المغالطات هو جعل قضية فلسطين حكرا على أهل فلسطين بعد سلخها عن محيطها الإسلامي ثم العربي، وحتى على الصعيد الفلسطيني، فقد قُزمت وجعلت قضية ما تبقى من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بعد انقراض بعضها الآخر. ويمكن اختصار المراحل التي مرت بها هذه القضية على النحو التالي:
- محاولات يهود فتح باب الهجرة إلى فلسطين مع نهاية عهد الخلافة العثمانية.
- مؤتمر القدس اليهودي الذي عقد في سويسرا عام 1897م.
- دخول القوات البريطانية إلى فلسطين عام 1917م إبان الحرب العالمية الأولى وفرض الانتداب البريطاني لمدة 30 عاما، وذلك بعد هزيمة القوات العثمانية.
- أعمال مقاومة مختلفة ومتفرقة ضد الاحتلال البريطاني تخللها مضاعفة مستمرة في أعداد المهاجرين اليهود.
- إضراب عام 1936 والذي استمر مدة ستة أشهر ما أفسح المجال لهجرة مزيد من اليهود إلى فلسطين.
- قيام عصابات يهودية مسلحة بأعمال عسكرية ظاهرها ضد جنود الإنجليز وحقيقتها السيطرة على مساحات من أرض فلسطين وحماية البؤر الاستيطانية.
- تشكيل حكومة عموم فلسطين عام 1948م في أول عمل سياسي فلسطيني ولد ميتا، برعاية جامعة الدول العربية التي ولدت ميتة كذلك.
- مهزلة الجيوش العربية السبعة، وانسحابها من ميدان القتال لتمهيد الطريق أمام إقامة كيان يهود وحصول ما يطلق عليه "النكبة".
- تولي الأمم المتحدة معالجة قضية فلسطين، وصدور قرار 181 الذي ينص على حل الدولتين.
- عرقلة إقامة الدولة الفلسطينية ما أسفر عن إلحاق الضفة الغربية بالأردن وقطاع غزة بمصر.
- تولت دول الطوق مهمة حراسة كيان يهود وإخضاع اللاجئين وإجبارهم على الإقامة في المخيمات، وتولت الأونروا مهمة إطعامهم.
- عام 1964 أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، وبعدها أنشئت حركة فتح عام 1965م، وهو أخطر تطور في مراحل القضية الفلسطينية حيث تخلت جيوش البلاد الإسلامية قاطبة عن مهمتها الرسمية والشرعية لتحرير فلسطين.
- منذ ذلك الوقت انحدرت قضية فلسطين في واد سحيق لم تستطع أي رافعة متاحة من إنقاذها، ولا زالت تنحدر، ولا يزال أهلها يدفعون الأثمان الباهظة من الأرواح والممتلكات حتى يومنا هذا.
يتبين مما سبق، أن معالجات قضية فلسطين منذ نحو قرن من الزمان قد فشلت جميعها في إحراز أي تقدم باتجاه تحرير أي شبر من الأرض أو إنقاذ أي منكوب أو مكروب أو أسير أو فقير أو محاصر من أبنائها. وقد آن الأوان لعصف الأذهان المخلصة والحريصة على فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى، كي تهتدي إلى الحل الصحيح لها، وتأمين الرافعة الحقيقية التي تنقذها من أزماتها المعقدة والمتراكمة.
وحتى لا نكون من الذين قال الله فيهم ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾، لا بد لنا أن نبحث القضية على الصعيد الصحيح، وهو صعيد الإسلام الذي يهدي من اتبع سبل السلام. وهذا يحتاج إلى فهم واقع القضية، والبحث في الأدلة الشرعية عن الأحكام التي تنطبق على هذا الواقع، ثم تطبيقها عليه، والسير في ضوئها.
إن فلسطين هي أرض إسلامية اغتصبها يهود بعد أن احتلها الإنجليز واقتطعوها من جسد دولة الخلافة العثمانية، وكل أرض محتلة أو مغتصبة يجب شرعا على المسلمين أن يحرروها من المحتلين، وينقذوها من الغاصبين، وآلية تحرير البلاد واستنقاذ المغصوبات لا يتأتى إلا بأعمال عسكرية تقوم بها الجيوش المجحفلة لتحقق الأهداف المرجوة عاجلا لا آجلا. وهذا هو الحل الشرعي كما جاء في قوله تعالى ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً﴾. وهذا هو الترتيب الشرعي:
الصف الأول: المقاتلون الأشداء وحملة السلاح
الصف الثاني: قوات الاحتياط
الصف الثالث: المشجعون والمسعفون
الصف الرابع: المستضعفون من الرجال
الصف الخامس: المستضعفات من النساء
الصف السادس: المستضعفون من الولدان
ولا نحتاج إلى بذل جهد كبير لنكتشف أن هذه الصفوف الآن في قضية تحرير فلسطين معكوسة تماما بل ومضطربة، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾.
وختاماً، لا يسعني إلا أن أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاضطراب مقدمة لإعادة النظر فيما يجري، والنظر إلى هذه القضية وغيرها من قضايا المسلمين نظرة مستنيرة واعية تطل عليها من زاوية العقيدة الإسلامية.
﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
رأيك في الموضوع