دخل الرئيس الفرنسي ماكرون السباق المحموم للتهجم على الإسلام الذي يقوم به الغرب، فقادة الغرب اليوم يعانون من حالة إفلاس فكري وقيمي أمام الإسلام، وبرغم أنه ليس للإسلام دولة قائمة منذ هدم الخلافة العثمانية، إلا أنه استطاع أن يسجل نقاطا مفصلية لصالحه؛ فهو الدين الأكثر انتشارا في العالم برغم استمرار الغرب في وصمه بالتطرف والإرهاب، والمسلمون اليوم يعودون للتمسك بدينهم والعض عليه بالنواجذ ويسعون لتمكينه في دولة حقيقية ستخوض صراعا مع حضارة الغرب يكشف فسادها ويعريها ويفضحها أمام أبنائها. والملاحظ حتى الآن أن قادة الغرب ما زالوا على قناعة أن بوابتهم للاستمرار في الحكم أو الوصول إليه هي رفع نبرة العداء ضد الإسلام، فمع الأزمات التي تعرضت لها فرنسا على خلفية احتجاجات حركة "السترات الصفراء"، وكذلك تأثير أزمة فيروس كورونا على اقتصادها، باتت قضية أوضاع المسلمين واحدة من القضايا التي يمكن المراهنة عليها للحصول على المزيد من التأييد الانتخابي من جهة أصوات اليمين المتطرف الذي يحمل أفكاراً صليبية تجاه الإسلام.
وما لا شك فيه وجود اتجاه سائد في فرنسا خاصة وأوروبا عامة لليمين المتطرف يرى أن المسلمين يشكلون تهديداً للحضارة والقيم الغربية، خصوصاً مع ازدياد نسبة المسلمين بشكل عام داخل المجتمعات الغربية. لقد سجلت فرنسا خلال 2019م هجومين على مسجدين. ففي 27 حزيران/يونيو، أطلق رجل النار على أشخاص يغادرون مركزاً إسلامياً في بريست، قبل أن ينتحر. وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019، هاجم شخص مسجداً في بايون بسلاح ناري.
ماكرون يقول إن حكومته لن تتخلى عن الرسومات المسيئة لرسول الله ﷺ، يتبع ذلك قيام مسئولي أحد المباني الحكومية في باريس بعرض صور مكبرة تسخر من الإسلام على جدران المبنى الحكومي، ثم يأتي وزير الداخلية الفرنسي ليعبر عن استيائه الشديد من وجود قسم للطعام الحلال في المتاجر الفرنسية! أليس ذلك تحريضاً على الكراهية وإعلاناً صريحاً للعداء للإسلام والمسلمين؟ لقد عبر ماكرون بتصريحاته العدائية تجاه الإسلام والمسلمين عن مكنون نفسه، وحقده الموروث تجاه الإسلام وحضارته وتاريخه، وأجج بتصريحاته تلك حالة الهيجان ضد كل ما هو إسلامي في فرنسا، لتبدأ سلسلة من الاعتداءات على المسلمين؛ حيث تم الهجوم بسكين على أسرة مسلمة مكونة من 9 أفراد وسط إطلاق عبارات عنصرية وعبارات نابية عن العرب والمسلمين بالإضافة إلى تمزيق حجاب سيدتين وطعنهن بمناطق متفرقة من الجسد.
ليس الإسلام في أزمة كما يدعي ماكرون، ولا يمكن أن يكون كذلك. فالإسلام، هو المخرج الوحيد لكل الأزمات التي تعاني منها البشرية. لقد نزل الإسلام على النبي ﷺ باعتباره الرسالة الأخيرة والخاتمة للبشرية جمعاء، وهو المبدأ الوحيد الصحيح، وقد حقق نجاحا منقطع النظير عند تطبيقه، وهو اليوم ليس في أزمة، بل المسلمون والعالم بأسره يعيشون أزمة لا مخرج لهم منها إلا به.
إن محاولة الغرب تجريم الإسلام كونه دينا سياسيا، هو محاولة لفرض الحياة العلمانية على المسلمين، إلا أن المسلمين لم يهضموا هذه الفكرة ولم يقتنعوا بها خاصة بعدما عانوا في ظل تلك الأنظمة الفقر والجوع والحرمان والظلم والذل وضنك العيش، وهذا ما يسبب كابوساً للمدافعين عن العلمانية، فحياة النبي ﷺ هي حياة سياسية صريحة وواضحة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يمارس رعاية شؤون الناس بحسب ما نزل به الوحي، وترك من بعده دولة بكل ما تحمله الكلمة من معان، دولة متكاملة الأركان ترعى شؤون الناس بالإسلام على خير ما تكون الرعاية.
ماكرون وترامب وبوتين وغيرهم من أئمة الكفر يكيدون للإسلام والمسلمين لمنع قيام كيان سياسي جامع للأمة يحمي بيضتها ويمنع تدخلات أعدائها في شؤونها، ويضعون الخطط والأساليب لضرب الإسلام وإبعاد أبناء الأمة عن الالتفاف حول المخلصين من أبنائها العاملين لتوحيد صف الأمة واستئناف الحياة الإسلامية من جديد بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، هذا ما يخيف ماكرون، وليس ما يسميه هو بـ(الانعزالية الإسلامية)، فلو لم يندمج المسلمون في المجتمع في فرنسا وظلوا على حالهم كالأيتام على مأدبة اللئام، لا راعي لهم ولا حامي، ولا إمام جنة يقاتلون من ورائه ويتقون به، فلن يكون لانعزاليتهم أي أثر أو تهديد لفرنسا والغرب. فخوف الغرب هو من الإسلام كمنهج حياة في ظل دولة تطبقه وتحمله للعالم لتعيد أمجاد الفاتحين، ومن هنا فإن مما لا شك فيه أن الإسلام تهديد وجودي لفرنسا العلمانية بانحلالها الأخلاقي ونوازعها الاستعمارية، إنه أكثر من غطاء للرأس وشعائر تعبدية وأكف ترفع إلى الله بالتضرع والدعاء، الإسلام ببساطة هو نقيض حضاري وقيمي ومعرفي للحضارة الرأسمالية التي تترنح للسقوط في واد سحيق.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون﴾
رأيك في الموضوع