تأتي انتخابات مجلس الشيوخ المصري التي جرت في مصر يومي 11 و12 آب الحالي وسط تساؤلات حول سر الهرولة نحو إجراء الانتخابات في ظل كلفتها المادية والصحية في ظل تفشي وباء فيروس كورونا، وبالتزامن مع قضايا إقليمية شائكة؛ مثل سد النهضة الإثيوبي، علاوة على تسارع وتيرة الحرب بعد موافقة برلمانية على قيام الجيش بمهام قتالية خارج الحدود، وذلك في سياق الدعوة لتدخل عسكري في ليبيا، فضلا عن الأداء المتدني لمجلس النواب، ومع الأعداد الكبيرة من الناس في السجون بلا محاكمة أو حتى تحقيق، ومع القيود المفروضة على كل أدوات الإعلام، وعلى حرية التنظيم والتجمع السلمي.
وجاءت عودة الغرفة الثانية للبرلمان ضمن حزمة تعديلات دستورية العام الماضي، تسمح للسيسي الذي تولى الحكم عام 2014م بالبقاء رئيسا حتى عام 2030م، بالإضافة إلى توسيع صلاحياته ونفوذ الجيش في الحياة السياسية. ومن المقرر أن يُشكَّل مجلس الشيوخ من 300 عضو، يُنتخب ثلثا أعضائه بنظامي القائمة والفردي، في حين يعيّن رئيس الجمهورية الثلث الباقي، على أن تكون مدة عضويته 5 سنوات.
ورغم تأكيد السلطات أن عودة الغرفة الثانية للبرلمان تعد خطوة جديدة نحو "ترسيخ مسيرة الديمقراطية ومبدأ السيادة للشعب" كما يدعي النظام، فإن ذلك يتعارض مع أسباب إلغائه قبل نحو 7 سنوات. فبالعودة إلى أواخر 2013، فإن غالبية أصوات لجنة الخمسين التي كانت معنية بكتابة الدستور الحالي، اتفقت على أن أبرز أسباب إلغاء "مجلس الشورى" اعتباره باباً خلفيا للفساد ووسيلة يستخدمها النظام الحاكم لتقديم ترضيات سياسية للموالين. والسؤال الآن: لماذا أعيد فتح باب الفساد هذا مرة ثانية؟! وهل قام مجلس النواب الحالي بواجبه تجاه اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، أو المطالبة بعرض اتفاقية المبادئ الخاصة بسد النهضة على البرلمان، حتى يبحث النظام عن غرفة أخرى للبرلمان تعد تكلفة زائدة على عاتق الشخص المصري البسيط لا فائدة ولا طائل منها؟ فليس للمجلس أي صلاحيات تذكر سوى دراسة مشروعات القوانين ورفع التوصيات لمجلس النواب! لكن يبدو أن النظام يبحث عن ترضية سياسية للموالين الذين لم يتسن لهم دخول مجلس النواب لينالوا حصتهم من الكعكة، في حين يعاني الناس من ضائقة مالية زادت الفقير فقرا وبؤسا.
وكما تم تشكيل الغرفة الأولى للبرلمان من داخل أروقة المخابرات فسيتكرر الأمر اليوم مع الغرفة الثانية التي ما هي إلا ديكور تجميلي قبيح لنظام فاسد لا يرعى شؤون الناس ولا يحرص على مصالحهم، بل كل همه الاستمرار في كرسي الحكم وتحقيق مصالح أسياده في البيت الأبيض وشراء الولاءات وتوسيع دائرة المستفيدين. إذاً لا توجد ضرورة لهذا المجلس إلا هذه، وهو يمثل إهدارا للمال العام؛ فقد تم رصد ملياري جنيه تكلفة لهذه الانتخابات، إلى جانب مكافآت ونفقات جلسات مجلس الشيوخ التي لن تقل عن نصف مليار جنيه سنويا. وقد فُصّلت الدوائر الانتخابية على مقاس السلطة وخدامها، ففي معظم الدوائر لا توجد إلا قائمة واحدة تنافس نفسها، وهي القائمة التي وضعتها الأجهزة الأمنية.
وبرغم أن النظام قد أعلن عن إجراء تلك الانتخابات منذ أكثر من شهر، إلا أن الكثير من الناس لم يكن عندهم علم بإجراء تلك الانتخابات، بل تفاجأ البعض في اليوم الأول لها بأن هناك انتخابات تجرى في البلد! ناهيك عن الإقبال الضعيف على المراكز الانتخابية مما يدل على أن الناس في واد والنظام في واد آخر، فالنظام لا يهمه معاناة الناس ولا ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، ولا حالة العطش والتصحر التي تهدد مصر كلها، ولا التفريط في مياه مصر الاقتصادية بعد ترسيم الحدود مع اليونان ومن قبلها مع قبرص. بل هو يقوم بإنفاق الملايين على عملية انتخابية شكلية لمجلس شيوخ لا يقدم ولا يؤخر إلا ليرضي به بعض مناصريه من رجال الأعمال وأصحاب المصالح، ويفتح بابا جديدا للفساد بإقرار النظام نفسه قبل سنوات من الآن.
ويحاول النظام كعادته شحن الناس للتصويت من أجل رفع نسبة المشاركة لكسب شرعية يفتقدها، فقد تلقى جميع العاملين المصريين في القطاع الحكومي تعليمات شفهية من رؤسائهم في العمل، بضرورة المشاركة في الانتخابات، وقد وردت التعليمات نفسها للعاملين في أغلب شركات ومؤسسات القطاع الخاص، بناءً على اتصالات جرت بين الجهات الأمنية، لا سيما جهاز الأمن الوطني، وأصحاب هذه المؤسسات، على مدار اليومين الماضيين، من أجل التصويت لصالح المرشحين المدعومين من أجهزة الدولة، وتحقيق النسبة المطلوبة لفوز القائمة التي يقودها حزب مستقبل وطن، والتي تكفيها نسبة 5% من مجموع أصوات الناخبين لإعلان فوزها. أليست هذه مهزلة يشرف عليها النظام بنفسه؟!
ولم يغفل النظام كعادته اللعب بورقة التهديد بعقوبة الغرامة المالية التي ستقع على من لم يذهب للتصويت من دون عذر، فقد أعلن رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، المستشار لاشين إبراهيم بأنه "عقب انتهاء الاقتراع في الانتخابات، ستعمل الهيئة على حصر جميع أسماء من تخلفوا عن الإدلاء بأصواتهم، ورفعها إلى النيابة العامة لاتخاذ اللازم"، حسب زعمه.
إن هكذا انتخابات لن تستطيع تجميل قبح النظام، فقد بان للناس عواره، وأدركوا مدى إفلاسه وتفريطه في مقدرات البلد، وأنه لا يمثل الناس ولا يعبر عن عقيدتهم ولا تطلعاتهم، ولا يرعى مصالحهم على أساس الإسلام، بل هو يخوض حربا على الإسلام وحملة دعوته، حرباً تقودها أمريكا في المنطقة. إن مصر هي قلعة الإسلام، ومنطلق الفتوحات، ومبعث الانتصارات على أعداء الإسلام من الصليبيين والتتار. وهي حاضنة الخلافة بعد القضاء عليها في بغداد، وهي حلقة الوصل بين الخلافة العباسية والخلافة العثمانية. وحريٌ بها اليوم أن تكون منطلق الخلافة من جديد، راشدة على منهاج النبوة، ولن يتم هذا إلا بعد إسقاط هذا النظام بجهود المخلصين من أبناء الأمة.
قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
رأيك في الموضوع