لا يزال صدى خطابات عبد الملك الحوثي يتردد بأن ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014م أخرجت اليمن من الوصاية الخارجية عليه، معطوفاً على ما كان أخوه حسين يحدّث أتباعه عن خطر وجود أمريكا في اليمن. يوشك قطاع كبير من الناس في اليمن كما في غيرها يجزمون بخروج اليمن من تحت الوصاية الاستعمارية الغربية، فيا ترى هل حدث ذلك، وصارت "حرة ذات سيادة"، أم أن الأمر لا يتعدى الهذيان؟
قبل المبادرة بالإيجاب أو النفي لا بد من النظر من عدة جوانب ستقودنا دروب البحث فيها إلى النتيجة. الجانب الأول السياسي: فقد أعلن عبد الملك الحوثي حفاظه على النظام الجمهوري، واستمراره عليه، قبل وصول جماعته صنعاء في 2014م. وبقيت اليمن تحت البند السابع الذي وضعها فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والأمريكي جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هو من أفسح لهم الطريق من صعدة إلى صنعاء. بان كي مون من جهته دعا إلى سرعة التدخل في اليمن، وعدم ضياعها بالحرب على حد قوله، والحقيقة أنه بفعله هذا كان وفر الغطاء الدولي للحوثيين في اليمن، ولم يترك لقوى دولية الحديث عن استبعاد أو إدانة دخولهم صنعاء ليس عن طريق صندوق الانتخابات.
ومع اندلاع الحرب في 26/03/2015م استبدل الأمين العام للأمم المتحدة بمبعوثه أحمد ولد الشيخ إسماعيل ليستمر الغطاء الأممي للحوثيين في اليمن والاعتراف الضمني الدولي بهم من خلال التردد عليهم في صنعاء والتحدث معهم، والتدخل لتحقيق هدف الحرب بإقعاد الحوثيين في كرسي الحكم وليس إبعادهم كما كان هدف الحرب المعلن، ويدعم ذلك دعوة الأمم المتحدة إلى مؤتمرات للحوار مع الحوثيين، وتدخل الأطراف الدولية فيها باعتراف المبعوث الأممي. كما قدم وزير خارجية أمريكا جون كيري واحدة من مقترحات الحوار، وقامت الأمم المتحدة بإصدار رؤية الدولة المدنية في اليمن للحوثيين بديلاً عن المسيرة القرآنية.
الجانب الثاني الاقتصادي: هل قام الحوثيون وهم يرفعون شعار إسقاط الجرعة عند قدومهم صنعاء بإيقاف برامج البنك الدولي - التي كانت الجرعة بسبب توصياته - وصندوق النقد الدولي وإغلاق مكاتبهما في صنعاء، وإخراجهما من اليمن إلى غير رجعة؟ على العكس استمرت برامج الاثنين حتى يومنا، وقد ناقش الحوثيون معهما خلال آذار/مارس - نيسان/أبريل من العام الجاري ما سيقدمانه من قروض.
يزرع اليمن 2.8% من حاجته من القمح، وينظر الآن في رفعها إلى 12.4%، ويحتاج إلى ثلاثة ملايين طن من القمح سنوياً، وينتج 75 ألف طن من التمر سنوياً ويستورد منها مليونا ونصف المليون طن، وينتج سنوياً ما يقل عن 30% من حاجته من المشتقات النفطية ويستورد ما يزيد عن 70% من خارج اليمن.
هبت المنظمات الأجنبية حتى تعدى تعدادها الثلاثين من بينها منظمة التنمية الأمريكية USAID ومنظمة أدرا الإنجيلية السبتية ومنظمة أمريكية ثالثة، إلى جانب عشرات المنظمات الدولية الأخرى لتقديم يد العون، كما أدار برنامج الغذاء العالمي تمويل الحوثيين بما لا يحصى من أطنان الغذاء السليمة والفاسدة وسط صمت رهيب، وقامت اليونيسيف بتقديم الدعم لـ100 مستشفى يسيطر عليها الحوثيون، إلى جانب دعمها لعدة وزارات في حكومة الإنقاذ.
لا زالت عملية إعادة الإعمار التي لن تنفذه غير شركات أجنبية "أمريكية بالأساس"، وقروض ربوية تقصم الدين والظهر، وتجعلك عبداً مستديماً، وسيرتفع معها الدين الخارجي ويزداد بدلاً من أن ينخفض ويتقلص.
الجانب العسكري والاستخباراتي: هل كف الحوثيون أو سيكفون عن شراء الأسلحة من أعدائهم، بدءاً بالذخيرة فما فوق، أم سيستمر تدفق السلاح كالسابق؟ إن الدول الاستعمارية الغربية وصلت من زمن بعيد إلى كسر شفرات جيوشنا، فهل يوقفهم الحوثيون اليوم أم يستمرون، خصوصاً أن التعاون الاستخباراتي والعسكري يستمر معهم تحت خدعة محاربة "الإرهاب"؟! لقد أمسكت أمريكا بملف إعادة هيكلة الجيش في اليمن منذ مؤتمر الحوار في 2012م، ولن يوقف تدخلها في الجيش وصول الحوثيين صنعاء، وستستمر برامجها الهادفة للسيطرة على الجيش كما في إندونيسيا ومصر وباكستان، ليمسكوا بالطرفين السياسي والعسكري في اليمن. ليكتمل معنى إمساكها لقناة السويس من القرن الماضي، بسيطرتها على باب المندب الذي يكتمل به معنى السيطرة على القرن الأفريقي المجاور.
إن امتلاك القرار السياسي وإخراج الوصاية يعني أن يقفز الإنتاج من السلعة الاستراتيجية فوراً إلى الاكتفاء الذاتي وإلا هلك الناس جوعاً، وأن تقفز إلى كفاية مصانعك وآلاتك التي أنت بحاجة إليها بالحصول سريعاً على التكنولوجيا التي تمكنك من ذلك، وأن يظهر عليك أنه ليس لأحد سلطان عليك سياسي اقتصادي أو من أي شكل كان... لا أن تكون مرهوناً بكل ذلك إلى الدول الاستعمارية الغربية التي تتصارع عليك، وتكتفي أنت بالتحول من دفة الاستعمار القديم "بريطانيا" إلى دفة الاستعمار الجديد "أمريكا"!
بصفة عامة لا توجد في البلاد الإسلامية اليوم دون استثناء واحدة من بين أنظمته المزعزعة خارجة عن الوصاية والسيطرة الاستعمارية؛ لأن ذلك يعني إزالة الحدود التي رسمها المستعمرون ومعها كنس العروش التي أتوا بها إلى بلاد المسلمين مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وتوحيد جميع البلاد الإسلامية، وإنهاء وإخراج للمصالح الاستعمارية من بلاد المسلمين، وهذا لن يكون إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريبا بإذن الله.
رأيك في الموضوع