يزداد الحديث، عقب كل حملة بربرية لنظام الطاغية أسد، مدعوماً بطيران الصليب الروسي، ومليشيات الحقد الإيراني وحزبها اللبناني، عن "حل سياسي" تسوقه أمريكا عبر بوابة الأمم المتحدة.
فما المقصود بالحل السياسي، ومن أين جاءت فكرته، ومن يقف وراءه، وما هي أهدافه وغاياته، وهل هو لصالح الثورة وإنهاء لعذابات أهلها وتتويج لتضحياتهم وانتقام ممن قتل أبناءهم وهدم بيوتهم ومزق أطفالهم أشلاء، أم أنه خدمة لنظام الإجرام بدعم من أعداء الإسلام، الذين يخشون انتصار ثورة الشام؟!
إثر انطلاق ثورة الشام، أوعزت أمريكا لعميلها بشار باحتوائها وقمعها، ولكن مع اشتداد عودها وثبات أهلها، أدركت أمريكا أنها ثورة مختلفة عن باقي انتفاضات المنطقة، فعمدت إلى توزيع أوراقها وتقسيم أزلامها من الحكام، ما بين أعداء للشعب السوري، مهمتهم القتل والبطش والتدمير والتهجير، و"أصدقاء" له، مهمتهم احتواء الثورة والالتفاف على مطالب أهلها، حتى لا تتفلت وتستقل بقرارها، فتسقط نظام بشار المجرم، عميل أمريكا.
ومنذ بداية الثورة، بدأ الضغط على القادة الميدانيين والثوار المخلصين للقبول بجنيف، وبمبدأ التفاوض مع النظام، والقبول بأي اتفاق يبقي على الدولة العميقة، وعلى المؤسسات الأمنية والعسكرية جاثمة على صدور الناس، ويبقي الدولة تابعة لأمريكا، ويحمي نفوذها، سواء بقي رأس الهرم أو رحل، فأمريكا ليست متمسكة به كشخص، لكنها تنتظر نضوج البديل، حينها، يمكن أن تعمل مسرحية انتخابات لإزاحته عن المشهد، ليكون قد خرج بانتخابات ولم يسقط بثورة.
وبعد أن كان الجلوس مع النظام ومفاوضته بداية الثورة جريمة كبرى بنظر الثوار، عمل أعداء الثورة، عبر استخدام القوة الصلبة والقوة الناعمة، على تحويل المهادنة والتفاوض من خيانة إلى حنكة سياسية وحقن للدماء!
كل ذلك لاحتواء الثورة وخنقها قبل استفحال أمرها.
وراحت أمريكا تنادي بالحل السياسي القاتل الذي ينضح بسمومه، والذي بدأت فصوله في جنيف1 عام 2012، مع روافد لاحقة له في فينا والرياض وموسكو وأستانة وسوتشي، حلٌّ ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، يهدف إلى تصفية الثورة وتثبيت نظام الإجرام، مع تطعيمه ببعض شخصيات المعارضة الضفدعية التي تحتضنها دول ومخابرات دول، وتعديل في بعض مواد الدستور، ليبقى علمانياً خالصاً إلا من بعض القشور، يقصي شرع الله وحكم الإسلام، ويحارب كل من ينادي بتطبيقه في ظلال دولة.
وكانت تركيا، بحق، منذ انطلاق الثورة، وكر المؤامرات الدولية ضد ثورتنا اليتيمة، فكان أن اجتمعت فيها كل المخابرات الدولية الحاقدة على الإسلام والخائفة من انتصار ثورة الشام، تمكر بالثورة وتعمل على استقطاب القادة والمؤثرين فيها، لحرفهم عن مسارهم وشراء ذممهم.
أما سياسياً، فقد أوعزت أمريكا بتشكيل الائتلاف الوطني العلماني، برعاية تركية، لتمثيل الثورة سياسياً، كمقدمة لبيعها وتمييع قضيتها، عبر بوابة الحلول السلمية، والهدن، والمفاوضات، وخديعة الحل السياسي.
فالهدف من الحل السياسي المزعوم هو وأد الثورة، عبر الالتفاف عليها، وعزلها عن حاضنتها وتجريدها من كل مكامن قوتها، لتكرار تجارب مصر وتونس وليبيا واليمن المؤلمة، بتثبيت أركان أنظمتها، مع تغيير طفيف يطال بعض وجوه ساستها، وكلنا يعلم أن أنصاف الثورات قاتلة.
إذاً، كل ما يتعرض له أهل الشام اليوم، من قتل وتدمير، وتكميم الفصائل للأفواه، وتضييق الحكومات، وعلى رأسها الإنقاذ، على الناس، ومحاربتها لهم في أقواتهم وأرزاقهم، وفرض الضرائب والإتاوات والمكوس عليهم، هو بهدف تركيعهم وإخضاعهم، ليقبلوا بحلول استسلامية يسمونها سياسية بأوامر الداعمين.
تسع سنوات، وأمريكا وأوروبا وتركيا وروسيا وإيران تقول إن الحل في سوريا حل سياسي! ولكن عن أي حل سياسي يتحدثون؟!
إنهم يقصدون الحل السياسي الذي يفرضه البطش العسكري لا غير، بطش الطائرات والمدافع والراجمات، بطش الصليب الروسي والحقد النصيري، المترافق مع المكر السياسي للنظام التركي، ولجمه لبنادق الفصائل بأمر من قادة مجرمين مرتبطين بالداعمين لا يعصون لهم أمرا، كل ذلك ليخضع الناس ويقبلوا بما تسعى أمريكا لفرضه على مسلمي الشام من حلول هي الموت الزؤام نفسه!
وعودة لتفاصيل الحل السياسي، فإنه قائم على قرارات مجلس الأمن رقم 2118 و2254 وما هو مرتبط بهما، والتي تتلخص بإعلان انتهاء الثورة، ومنع أي مواجهة بعدها ضد هذا النظام الدموي المجرم، مع البدء بترتيبات هيئة حكم انتقالية تشاركية بين النظام ووجهه الآخر من شبيحة الفنادق ومن زعموا الانشقاق عنه تمهيداً لهذه المرحلة، وهم الذين أزكمت رائحة فضائحهم الأنوف. هيئة يكون بشار موجوداً فيها رسمياً لمدة 18 شهرا، مع تشكيل لجنة لصياغة الدستور، أو تعديله، مع التأكيد على بقاء المؤسستين الأمنية والعسكرية جاثمتين على صدور الناس، توجههما الدولة العميقة المرتبطة بسيدتها أمريكا، وانتخابات مسرحية يشارك فيها الطاغية نفسه، كما صرح كيري عام 2015، أن "بشار سيترشح وعلى المعارضة أن تحاول أن لا ينجح"، وكلنا نعلم أن أمريكا والأمم المتحدة تعترف بالنظام، بل هي التي تحميه وتعطيه الشرعية وتمده بأسباب الحياة، بدليل وجود بشار الجعفري، كممثل لنظام أسد في الأمم المتحدة.
وطبعا هذا الحل يتطلب ضمناً القضاء على كل مظاهر الثورة وسحب السلاح من الناس، وحصره بتشكيلات معينة، تكون نواة للجيش الوطني بإدارة تركية، والذي يخطط له، مستقبلاً، أن ينخرط مع جيش النظام نفسه، بترتيبات شيطانية تهندسها أمريكا، ويشرف النظام التركي على تنفيذها على الأرض.
مع التأكيد أن قضيتنا ليست شخص بشار فقط، إنما النظام الذي يحكم به؛ نظام الكفر والقهر والجور، لإسقاطه بكافة رموزه وأركانه وتخليص الناس من شروره، وليس الاكتفاء بعمليات ترقيعية تجميلية، تعيدنا للمربع الأول، بعد تضحيات مليوني شهيد، وهذا بإذن الله لن يكون، ما دام في مخلصي الشام عرق ينبض.
وإنه، رغم كل ما حصل من انتكاسات وخسارة للمناطق، بمسرحيات ممجوجة وخيانات وتسليم واضحين، إلا أن الإمكانيات لا تزال موجودة، ومقومات النصر متاحة، وإرادة التغيير حاضرة، وفكرة الثورة متقدة، وما ينقصنا فقط هو استعادة سلطاننا وقرارنا من قادة الفصائل الذين رهنوا قرارنا للداعمين فضاعوا وأضاعوا، لعل الله يرضى بذلك عنا فينصرنا، فهو القائل سبحانه: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
بقلم: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع