قام رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج بزيارة تركيا يوم 27/11/2019 وعقد مع رئيسها أردوغان اتفاقيات أمنية وتحديد صلاحيات بحرية في البحر المتوسط، ومن ثم قام يوم 15/12/2019 بزيارتها ولقاء رئيسها لتفعيل هذه الاتفاقيات،وفي يوم 19/12/2019 صادقت حكومته على طلب الدعم الفني واللوجستي من تركيا، وفي يوم 21/12/2019 أقر البرلمان التركي الاتفاقية الأمنية.
إن حكومة السراج موالية لأوروبا وخاصة بريطانيا، وقد شكلت في تونس وأدخلت إلى العاصمة طرابلس بعد اتفاق الصخيرات الذي طبخته بريطانيا عام 2015 في المغرب، وقد أقرته الأمم المتحدة إذ إن مندوبها الأوروبي لليبيا ليون قام بدور نشط لجعل الأطراف توافق عليه، فاضطرت أمريكا وروسيا لقبوله لأنهما لا تستطيعان أن ترفضا اتفاقا سياسيا يحل مشكلة ليبيا حسب الظاهر، وإلا ستعتبران أنهما ضد الاستقرار في ليبيا. إلا أن أمريكا حركت عميلها حفتر لإفشاله، وأوعزت للنظام المصري برئاسة عميلها السيسي بدعمه. ومكنته من السيطرة على شرق وجنوب ليبيا. ومن ثم دفعته ليتصل بروسيا ويطلب مساعدتها، فقامت روسيا مؤخرا بمده بقوات مرتزقة لشركة أمنية يقودها أحد أقارب الرئيس الروسي تسمى فاغنر.
قام حفتر بشن هجومه يوم 4/4/2019 على طرابلس ليسيطر عليها، عندئذ عرضت بريطانيا في مجلس الأمن مسودة قرار لوقف إطلاق النار في ليبيا فرفضته أمريكا وروسيا يوم 18/4/2019 مما يؤكد أن أمريكا وروسيا تدعمان حفتر، وأن بريطانيا ضده وتدعم حكومة السراج. وفي هذه الأثناء أعلنت أمريكا عن اتصال رئيسها ترامب بحفتر تلفونيا وأعلن تأييده له قائلا إن حفتر قادر على حماية مصالح أمريكا مثل محاربة الإرهاب وضمان تدفق النفط.
وقد فشل حفتر بدخول طرابلس ولكنه بقي يشن الهجمات بين الحين والآخر ويهدد العاصمة. فالسراج وحكومته في حرج فقد تقدم سابقا لدى أمريكا يطلب تدخلها ودعمها لكون حكومته معترفاً بها دوليا يحق لها تقديم مثل هذا الطلب، حتى يجعل برلمان طبرق المسيطر عليه حفتر يعترف بحكومته، إلا أن أمريكا لم تتجاوب معه. والآن تقدم إلى رجلها أردوغان في الوقت الذي جدد فيه الطلب من أمريكا للتدخل عسكريا لمساعدته بجانب طلبه من بريطانيا والجزائر وإيطاليا، فهنا يعطي حقا لبريطانيا بالتدخل رسميا ولتابعها النظام الجزائري، ولكن إيطاليا أعلنت عن انخراطها في مهمة أوروبية. فيكون السراج باتفاقه مع تركيا وطلبه من أمريكا التدخل قد غطى على طلبه من بريطانيا وتابعها النظام الجزائري الذي طالما وقف في وجه حفتر ومنعه من التقدم إلى غرب ليبيا.
إن أردوغان قد أرسل سفنا للتنقيب عن النفط والغاز تحت البحر منذ سنة ولكنها لم تبدأ بالتنقيب، وإنما كان عمله استعراضيا، والآن يرسم حدودا بحرية مع ليبيا واعترضت عليه الدول المحيطة بالمنطقة، وكما قال وزير الطاقة التركي دونماز إن تركيا تنتظر موافقة الأمم المتحدة على هذه الحدود البحرية والترخيص لها حتى تبدأ بالتنقيب في العام القادم. فيريد أردوغان أن يوهم الناس أن تركيا ستبدأ بالتنقيب عن النفط والغاز ليغطي على خداعه لشعبه، علما أن كيان يهود استخرج الغاز من المنطقة نفسها عام 2009-2010. وفي الوقت نفسه تشن روسيا والنظام السوري هجمات على المنطقة التي من المفروض أن يكون نظام أردوغان ضامنا لها ويقف في وجه هذه الهجمات! إلا أن العكس يحدث، إذ تقوم هذه القوات بهجماتها وهي تمر من جانب نقاط المراقبة التركية، وتركيا لا تحرك ساكنا في تواطؤ مع الأعداء وخذلان للإخوة والأصدقاء في سوريا! فيستغل أردوغان التحرك نحو ليبيا ليغطي على ذلك. فيريد أن يرسل قوات إلى ليبيا ويتناسى المجاورين له والذين ينتظرون نصرته فيخذلهم.
لقد استعد أردوغان للتحرك نحو ليبيا ليلعب دورا رسمته أمريكا، فقد أعلن المتحث باسمه ومستشاره إبراهيم قالين أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي روبرت أوبراين وبحثا الوضع في سوريا وليبيا بالإضافة إلى التطورات حول المتوسط على خلفية الاتفاق بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية". فتريد أمريكا أن تستغل الوضع لتضغط على حكومة السراج بواسطة أردوغان حتى تقبل بحلولها ومن أهمها تعديل اتفاق الصخيرات الذي يحول دون تولي حفتر قيادة الجيش. وذهب أردوغان إلى تونس ليكسبها في تحركه، ولكن النظام التونسي الموالي لبريطانيا لم يتجاوب معه إلا بإعلانه دعم حكومة الوفاق دون الاصطفاف والتحالف معه، فقال بيان الرئاسة التونسية: "إن تونس لن تقبل أن تكون عضوا في تحالف أو اصطفاف"، فبريطانيا لا تريد أن تجعل الدول التابعة لها تسير مع أردوغان إلا بقدر ما يخدم مصالحها، وتعطي لتونس دورا آخر لدعم حكومة الوفاق التابعة لها في ليبيا.
وكان تحرك أردوغان مبررا جديدا لنظام السيسي بأن يعلن دعمه مجددا لحفتر، إذ يظهر أنه وتركيا متعاديان، ولكن كل منهما يلعب دورا معينا لحساب أمريكا.
وأعلنت كل من روسيا وتركيا استعدادهما للتعاون في حل الأزمة الليبية، مما يذكّر بتعاونهما معا في سوريا لحساب أمريكا. وروسيا قد قبلت السير في ليبيا مع أمريكا، وأعلنت أمريكا على لسان وزير خارجيتها بومبيو عن ذلك يوم 11/12/2019 وأنهما يهدفان إلى إيجاد تسوية بين الأطراف المتصارعة بدعوتهما إلى المفاوضات وإيجاد حل سياسي. ومعنى ذلك تعديل اتفاق الصخيرات وتسليم حفتر قيادة الجيش في ليبيا ليحوز على الشرعية، وبواسطته تتمكن أمريكا من السيطرة على النظام الليبي.
وكل ما ستستفيده روسيا هو الظهور بمظهر الدولة الكبرى المؤثرة وتسير بجانب أكبر دولة في العالم أي أمريكا، وتكسب ودها حتى لا تقوم وتشتغل بها في أوكرانيا والقرم وآسيا.
وهكذا تتجلى خيانة أردوغان وخذلانه لأهل سوريا وذهابه بعيدا عنهم فيسلمهم للأعداء، ويظهر كأنه سيحل مشكلة كبرى في ليبيا ويحقق مصالح تركيا في البحر المتوسط وهو سائر في المخططات الأمريكية، وبذلك يحاول أن يعدل وضعه الداخلي المتداعي، وليس العملاء في مصر وتونس وفي ليبيا من حفتر إلى السراج إلى غيرهما بأفضل حالاً وهم يوالون هذه الدولة الاستعمارية أو تلك. ولا خلاص للأمة إلا بالخلاص من كل العملاء والأنظمة التابعة للدول الاستعمارية، والتمسك بالمخلصين الواعين الذي يقودونها في كفاحها للخلاص منهم وإقامة حكم إسلامي نابع من كتاب الله وسنة رسوله eمتجسدٍ في خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع