يرى الخبير الدولي بشؤون السودان في مجموعة الأزمات الدولية أن الملف السوداني تم تدويله بالفعل نتيجة الدعم المكثف للمجلس العسكري من مصر والسعودية والإمارات، وفي اليوم نفسه الذي انتهى فيه العصيان المدني الذي استمر لثلاثة أيام بتدخل الوساطة الإثيوبية عينت أمريكا الدبلوماسي المخضرم دونالد بوث مبعوثا لها في السودان. كما اجتمع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون أفريقيا تيبور ناجي مع كل من قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري.
ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية عبد الفتاح الفاتحي أن تعيين أمريكا مبعوثا لها في السودان يعكس رغبتها في صنع الملامح السياسية للسلطة المستقبلية في السودان، ويضيف الفاتحي في حديثه مع دي دبليو عربية: اليوم بدأت أمريكا تنفيذ استراتيجيتها في السودان خصوصاً وأنها تدرك الاتفاقيات والتحالفات التي تربط السودان مع دول متاخمة لها، ويشير الفاتحي الذي يدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية في الرباط" إلى أن تدخل العديد من الدول الإقليمية في الأزمة السودانية سيطيل عمر الأزمة، ويرى أنه بالإضافة لمصر والسعودية والإمارات هناك دول إقليمية أخرى ضالعة في الأزمة، ففي نيسان الماضي أكد الرئيس التركي أردوغان على أن السودان الذي وصفه (بقلب أفريقيا) تعرض لتدخلات خارجية في جميع شؤونه. وكان أردوغان قد زار السودان في عام 2017م وأعلن رغبة بلاده رفع استثماراتها تدريجيا داخل السودان حتى تصل إلى 10 مليار دولار، وذلك عندما استلمت تركيا إدارة جزيرة سواكن السودانية.
ولم تتأخر التدخلات فقد لاحقت المتفاوضين في أديس أبابا كي يتسنى لها القدرة على التأثير عليهم، فقد ظهر الفلسطيني محمد مشارفة المقرب من محمد دحلان مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ظهر فجأة في فندق راديسون الذي يستضيف مفاوضات بين أطراف سودانية رغم أنه لا يحمل أي صفة تخوله الوجود بين الأطراف السودانية!
وتساءل ناشطون عما تريده الإمارات من مفاوضات أديس أبابا بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية على ضوء الظهور المفاجئ للرجل ذي العلاقات الوثيقة بسلطات أبو ظبي، في الفندق الذي يستضيف المفاوضات، وأثار حضوره تساؤلات عن تحركاته ولقاءاته مع عدد من الشخصيات المفاوضة وصولاً لمكالماته الهاتفية المتواصلة والمتعلقة بما يجري هناك. وقد كان لقطر حضورها؛ فقد استدعت السلطات الإثيوبية جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة وحققت معه على خلفية لقاء جمعه بالسفير القطري في أديس أبابا، وقالت مصادر إن جبريل يلتقي مسؤولين قطريين آخرين في مقر سفارة الدوحة في أديس أبابا بينهم عناصر من المخابرات الخارجية، وأضافت المصادر أن هذه المعلومات توفرت لدى أجهزة الأمن الإثيوبية وسارعت إلى استدعاء جبريل والتحقيق معه بشأن هذا اللقاء الذي يهدف إلى إفشال المفاوضات، وذكرت المصادر أن هناك وجوداً مخابراتياً قطريا بكثافة يحاول استقطاب قادة المعارضة السودانية بهدف إفشال المفاوضات مع المجلس العسكري، هذا وقد عدلت السلطات الإثيوبية عن قرار طردها جبريل بعد تدخل الوساطة الأفريقية.
أما المبعوث الأمريكي وما يقوم به من اتصالات داخلية وخارجية وما يصرح به من تصريحات في الشأن السوداني فإنه لا يراودك أدنى شك بأنه يقوم مقام المندوب السامي في السودان؛ فهو يجتمع مع المجلس العسكري كما يجتمع مع قوى الحرية والتغيير، كما اجتمع مع الصادق المهدي ومع الحركات المسلحة، كما يتصل بالسعودية والإمارات ومصر، ويصرح عن أين وصلت المفاوضات ومتى ستستأنف وما هو الموقف العام وإلى أين تسير الأمور! كل ذلك وغيره يقوم به هذا المبعوث ونحن نتفرج عليه والبعض يأمل أن يساعد للوصول إلى اتفاق يؤدي إلى الاستقرار السياسي المنشود!
أما ما أعلن عنه من انقلاب عسكري فهو ليس ببعيد عن الأيادي الخارجية الطامعة في السودان وهذه هي المرة الخامسة التي يعلن فيها عن محاولة انقلابية فاشلة، وفي هذه المحاولة قيل إن المشتركين فيها رئيس هيئة الأركان، وقائد القيادة البرية، وقائد المدرعات، وقائد القوات الخاصة، وقائد المضادات، وقائد الدفاع الشعبي، وقائد المنطقة العسكرية، ومعهم 13 لواء و40 عميداً وأكثر من 70 ضابطاً من رتب أخرى و15 ضابطاً من جهاز الأمن والمخابرات، بالإضافة إلى عدد من قيادات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني...فهل يعقل أن يكون قد تآمر كل هؤلاء وعجزوا أن ينفذوا الانقلاب؟!!
إن هذه الأعمال تشبه ما قام به أردوغان من تصفيات مستغلاً الانقلاب الفاشل، وقد ذكرت مصادر دبلوماسية سودانية ومصرية (أن الأمر يأتي في إطار صراع إقليمي بشأن رجالهم في السودان وصناعة نظام جديد يدين بالتبعية لهم، وكانت مصادر قد كشفت في وقت سابق عن خلاف في وجهات النظر بين الإمارات والسعودية وكما هو معلوم فإن الدول الإقليمية ما هي إلا أدوات للصراع الدولي، فكل دولة من دول الإقليم تعمل من أجل تحسين موقفها لدى الدول الكبرى التي هي المحرك الحقيقي والفعلي للأطراف...
أقول: للمسلمين عامة ولأهل السودان خاصة إلى متى نبقى نحن الفريسة التي تتصارع عليها الوحوش، وإلى متى نبقى نحن العشب الذي يضيع تحت أقدام الأفيال المتصارعة؟! أليس نحن من قال عنا الله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾؟ إن التعويل على هؤلاء السياسيين المتهافتين على السلطة بجهد هذه الثورة يضيع هذا المجهود الضخم الذي بُذل لإزالة نظام البشير، فلنتوجه إلى الله بدلاً من التوجه إلى المجتمع الدولي والدول الطامعة، ولنتوجه للمخلصين من أبناء الأمة بدلاً من التوجه للمرتزقة والمتسلقين فنقيم حكم الله خلافة راشدة على منهاج النبوة بدلاً من حكم الكفر الرأسمالي الديمقراطي.
بقلم: المهندس حسب الله سليمان - السودان
رأيك في الموضوع