تتوالى الأحداث الساخنة في البلاد الإسلامية خاصة في ليبيا والجزائر والسودان لتعبر عن حالة الرفض والسخط، التي وصلت إليها الأمة، على أنظمتها التابعة للغرب الكافر الاستعماري (أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا) وما تبعه هذا من ردود فعل ماكرة خبيثة تبتغي احتواء هذا الغضب وذلك من خلال عملائها. ففي ليبيا يشتد الصراع بين قطبي الصراع أمريكا وعميلها حفتر والذي يعاونه السيسي، يتزامن هذا مع زيارة حفتر له قبل أيام بهدف ترتيب الأوراق وكيفية مواجهة خصومه وكذلك تصريحات القمة الأفريقية الأخيرة الداعمة لحفتر. أما الطرف الآخر فتأتي قوات الوفاق الوطني المدعومة من أوروبا وخاصة بريطانيا التي تحاول استصدار قرار بوقف الهجمات والحل السياسي.
أما السودان فيتكرر المشهد الذي يعبر عن الصراع ذاته، فها هو المجلس الانتقالي يتنازل عن بعض المناصب غير المؤثرة في الحكم لوجوه جديدة محسوبة عليه ولكن في الوقت ذاته تلقى ترحيبا من الشعب ابتداء باستقالة البشير وبن عوف وقوش وغيرهم من الطاقم القديم واستبدال آخر جديد به مثل عبد الفتاح البرهان، وتتوالى الضغوطات التي لا تنتهي من الشارع فقد تُوُصِّلَ أخيرا إلى تكوين مجلس يضم مدنيين وآخرين عسكريين، أما ضغط الأحزاب فجماعة الإخوان هناك تدعو المجلس إلى إنجاز توافق مع كافة المكونات السياسية. (قناة الجزيرة)، وكذلك إعلان الحرية والتغيير الذي صرح قائلا إن اللجنة السياسية بالمجلس العسكري تقف ضد وصول الثورة لغاياتها. (قناة الجزيرة). يأتي هذا والدافع لهذه المكونات قطب الصراع الثاني بريطانيا لتشكل ضغطا تأمل به إزاحة أمريكا إن أمكن وإلا فعلى الأقل تفوز ببعض المناصب لتشاركها به في الحكم، وها هو السيسي ورئيس مخابراته يجتمعان برئيس جهاز المخابرات السوداني. (العربية الحدث)، وكذلك تصريح السيسي الذي يؤكد فيه استعداد مصر الكامل لتقديم كل الدعم للسودان. (العربية الحدث)، وكذلك المعونات السعودية للسودان تأتي في الإطار نفسه.
أما الجزائر فيشتد الصراع فيها ولكن هذه المرة بين بريطانيا وفرنسا ولكن أقل مما هو عليه في ليبيا والسودان خاصة فرنسا التي لها رجالات داخل الجيش مستغلة الضعف الذي طرأ على البلد فتحرك الشارع وبعض قيادات الجيش ضد النفوذ الإنجليزي الذي استطاع بوتفليقة طوال مدة حكمه إقصاء قيادات الجيش المحسوبة على النفوذ الفرنسي لتحاول فرنسا بما تبقى لها من أذناب فيه وفي الإعلام والإدارة وغيرها من الهيئات وبعض الأحزاب المحسوبة عليها مثل حزب التجمع من أجل الثقافة وحزب طلائع الحرية، أن تؤثر وتضغط بحيث يكون لها نصيب في الحكم. أما أمريكا فهي تستغل حالة الفراغ السياسي في الجزائر الداعمة للسراج وتقوي عميلها حفتر للانقضاض على السلطة، وما كان يحدث هذا من قبل.
إن الصراع بين قوى الغرب على بلاد المسلمين مستعر وساخن؛ يحاول الكل الاستيلاء على السلطة ابتداء بالحلول والاتفاقات والمكر السياسي وتغيير الوجوه وتغيير القوانين وإحداث بعض المشاهد التمثيلية من إلقاء القبض وسجن ومحاكمة رموز النظام ومن ثم تبرئتهم من التهم فيما بعد كما حدث في مصر مع مبارك ورموزه بهدف امتصاص نقمة الشعب حتى يهدأ، أو القيام بأحداث عنف تدار بمخابرات هذه الدول لتكون مبرراً لقمع وإخماد هذه الثورات كما في مصر، وقد يحدث هذا ولكن في آخر العلاج الكي، أي إذا لم تثمر جهود الحيل السياسية، وقد صرح نائب رئيس المجلس العسكري حميدتي (قناة الجزيرة) أن المجلس لن يقبل بالفوضى في البلد ومهمته إخراجها إلى بر الأمان. لذلك كان على الأمة أن تعي وتتنبه لطريقة التغيير الشرعية والعملية بهدف إيصالها لبر الأمان وعدم عودة السرطان، ولكي لا تسرق الثورات كان لا بد لها أن تقوم بأعمال، وقبل ذلك نوجه سؤالاً: ما هي الأعمال التي تضمن عدم عودة النظام السابق؟ والجواب هو:
1- أن تكون المطالبة بتغيير النظام بمكوناته كاملة من أشخاص ورموز ودستور، أي القضاء على رأس الأفعى وليس ذيلها فسرعان ما يتجدد الذيل أما الرأس فلا. فالمسيرات لا تقضي على النظام ولكن تكون رأياً عاماً يعبر عن وعي عام إذا صاحب هذه المظاهرات قيادة واعية تسوقها إلى مشروع نهضوي حقيقي يعبر عن الإسلام كعقيدة ونظام وليس شعاراً، فإذا وصلت هذه المظاهرات إلى الوعي لن تغير الواقع لأنه لن تسمح قوى النظام العميل بالتغيير وستحاول التصدي له بكل قوة بشتى قوى الأمن والتي تُعَدُّ حجر أساس في التغيير وذلك بوعي وإدراك وقناعة هذه القوى الأمنية بأفكار الإسلام ودستوره ومشروعه النهضوي لا بشرائهما بالأموال والمناصب، مضافا هذا إلى الرأي العام المنبثق عن الوعي العام، وهذا يعيدنا إلى التغيير النبوي صلوات ربي وسلامه عليه فقد كان بـــ:
أ- بوجود كتلة واعية بأحكام الإسلام.
ب- تخوض هذه الكتلة الصراع الفكري والكفاح السياسي مع الأمة والحكام للوصول لهذا الرأي العام.
ج- استلام الحكم عبر أهل القوة والمنعة والنصرة من الجيش والشرطة والتي تؤمن بهذا الفكر العظيم.
2- أن تكون وجهة نظر المُغيّرين أن القضية قضية حكم الإسلام للأرض وليست مجرد طعام وشراب وحياة هانئة، وإن كان الإسلام يوفر ذلك إنْ حُكِمَ بِه ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً﴾، كما أن القضية ليست هي حكومة تكنوقراط كفاءات أو حكومة مدنية أو مجلساً انتقالياً يُحْكَم بالحكم الرأسمالي العفن المستحق لغضب الله، فالقضية هي حكم الله ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وقال رسول الله e: «مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ» فتحكيم شرع الله الكامل يحقق العز في الدنيا والآخرة.
إن الأحداث الجارية المشتعلة والصراع الدموي في المنطقة لتنذر بشرٍّ مستطير أعظم وأشد وأنكى إن لم تعِ الأمة عليها وتعالجها وفق مشروع الإسلام العظيم، وستبقى وقود هذه النار خدمة للكافر المستعمر وأدواته من الحكام والأنظمة... وليكن سؤالنا الواعي والدائم في المسيرات وغيرها: ما هو الضامن لأن يكون التغيير حقيقيا وليس شكليا؟ والسؤال الثاني كيف نحصل على التغيير الجذري الآمن من أي التفاف أو مكر؟ إن ذلك لن يتحقق إلا إذا عدنا إلى الله عودا حميدا وذلك بتطبيق الإسلام كاملا في دولة عزيزة كريمة اسمها دولة الخلافة الراشدة التي حان بزوغ فجرها بإذن الله.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن العامري – اليمن
رأيك في الموضوع