بعد حراك دام قرابة الأربعة أشهر، توّج ثوار السودان حراكهم باعتصام مشهود، أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، يوم السبت 6 نيسان/أبريل 2019م، وهذا اليوم - السادس من نيسان/أبريل - له رمزيته عند أهل السودان، حيث قامت فيه ثورة في 1985م، اقتلعت نظام جعفر النميري العسكري. أما هذا النظام فقد فوجئ بهذه الأعداد الهائلة من الثائرين، وقد حاولت الأجهزة الأمنية تفريقهم بالغاز المسيل للدموع، كما استخدمت ضدهم الرصاص الحي، إلا أن صمودهم، أعجز حكومة البشير عن فض الاعتصام، فكان لا بد من حل سريع يأتي من الحكام الحقيقيين (الأمريكان)، فكان الانقلاب العسكري الذي أعلن عنه في 11/04/2019م، بقيادة الفريق أول ركن عوض بن عوف، ولأنهم كانوا يعلمون أن أي انقلاب على الثورة سيكون مرفوضاً، وضع السيناريو: (أن يتسلم زمام الأمور الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان - المفتش العام للجيش السوداني، ولكن يُعلن للناس الفريق ابن عوف، فإذا تم رفضه، أسند الأمر للفريق البرهان)، وما يؤكد هذا السيناريو ما أوردته قناة (سكاي نيوز العربية) يوم الخميس 11/04/2019م، قبل إذاعة البيان، حيث أوردت: (قالت مصادر سودانية لـ"سكاي نيوز عربية" إن القوات المسلحة انتهت من تسجيل البيان الذي سيذاع بعد قليل، فيما انتشرت قوات في أنحاء الخرطوم، وسط تكهنات بالإطاحة بالرئيس عمر حسن أحمد البشير، ومن المتوقع أن يلقي البيان، رئيس أركان القوات البرية السودانية الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، الذي وصل مقر الإذاعة والتلفزيون الواقع في أم درمان).
وبالفعل رفض المعتصمون بيان عوض بن عوف (المسجل)، وذلك لاعتبار الثوار أن ابن عوف هو جزء من النظام السابق، وأصروا على اعتصامهم، مما دفع ابن عوف للتنازل عن رئاسة المجلس، هو ونائبه عبد المعروف، وأعلن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس، وذلك في اليوم الثاني من الانقلاب، أي في يوم 12/04/2019م، فأعلن في بيان تسلمته رئاسة المجلس عن إعلان أسماء أعضاء المجلس الجديد الذي تشكل من قيادات عليا في الجيش، إضافة إلى نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات، ومدير عام الشرطة، كما أعلن قائد قوات الدعم السريع (حميدتي)، نائباً لرئيس المجلس.
وحتى يطمئن الثائرون، أعلن البرهان إلغاء حالة حظر التجول التي فرضها سلفه ابن عوف، والتي كسرها الثائرون، ولم يلتزموا بها، كما أعلن عن أنه سيقوم بإرساء دعائم حكم مدني (قويم) وفقاً لفترة انتقالية مدتها عامان. وفي الأثناء قدّم رئيس جهاز الأمن والمخابرات، الفريق صلاح قوش استقالته، وقبلها رئيس المجلس.
أما ما يؤكد أن سيناريو الانقلاب قامت به أمريكا، فهو أن شهود عيان أكدوا أنهم شاهدوا القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم أكثر من مرة أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، وقد سارع والتقى نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو بالقصر الجمهوري الأحد 14/04/2019م، حيث اطلع على آخر مستجدات الأوضاع والتطورات في الدولة. وذكر بيان للمكتب الإعلامي بالقصر الرئاسي في الخرطوم اليوم، أن دقلو أطلع كوتسيس على تطورات المشهد في السودان وأسباب تشكيل المجلس العسكري الانتقالي وما اتخذه من خطوات للمحافظة على أمن واستقرار الدولة. وأضاف البيان أن القائم بالأعمال الأمريكي رحب بدور المجلس العسكري السوداني في تحقيق الاستقرار والأمن، مؤكدا ضرورة استمرار التعاون بين واشنطن والخرطوم بما يعزز العلاقات السودانية الأمريكية). (خبر نيوز من أمريكا).
إضافة إلى ما أوردته، (الخليج أونلاين) يوم الجمعة 12/04/2019م، حيث ذكرت (أما وزارة الخارجية الأمريكية فامتنعت عن عدّ ما حدث انقلاباً، لكنها قالت إنها تدعم الديمقراطية والسلام في السودان، وتعتقد أنه ينبغي أن تكون الفترة الانتقالية المتاحة للشعب السوداني أقل من عامين)، وقال روبرت بالادينو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي: (ينبغي أن يقرر الشعب السوداني من يقوده في مستقبله)، وأضاف: (أن الشعب السوداني كان واضحاً في أنه يطالب بعملية انتقالية بقيادة مدنية، ينبغي السماح له بذلك في فترة أقل من عامين من الآن) مما يؤكد أن فترة العامين هو ترتيب أمريكي.
أما أوروبا، وبخاصة بريطانيا فإنها تعلم بأن ما حدث هو انقلاب أمريكي على الثورة، ومحاولة لتدوير النظام السابق بوجوه جديدة، لذلك سارعت بمطالبة انتقال سريع إلى قيادة مدنية، فقد أورد المصدر السابق، موقف وزير خارجية بريطانيا: (من جانبه دعا وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت إلى انتقال سريع إلى قيادة مدنية شاملة وممثلة للجميع)، وأضاف، في تغريدة على تويتر أن: (مجلساً عسكرياً يحكم لمدة عامين ليس الحل)، كما جاء في الخليج أونلاين أيضاً: (ودعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني مساء الخميس، الجيش السوداني إلى نقل السلطة سريعاً للمدنيين، مشيرة إلى رغبة الشعب السوداني في التغيير)، وفي بيان لها كذلك قالت موغيريني: (وحدها عملية سياسية موثوق بها وشاملة بإمكانها أن تلبي تطلعات الشعب السوداني، وأن تؤدي إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يحتاج إليها البلد)، وأضافت: (لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تسليم السلطة سريعاً لحكومة انتقالية مدنية في هذه العملية يجب على الجميع ممارسة الهدوء، وأقصى درجات ضبط النفس).
كما سارعت بعض الدول الإقليمية المرتبطة بأمريكا، إلى تأييد المجلس العسكري، فقد أعلنت السعودية تأييدها، وأكدت دعمها للخطوات التي أعلنها المجلس العسكري، في المحافظة على الأرواح والممتلكات، في وقت أصدر فيه الملك سلمان توجيهات للجهات المعنية بتقديم حزمة من المساعدات، تشمل المشتقات البترولية، والقمح، والأدوية للسودان. وعلمت صحيفة السوداني في 14/04/2019م، أن الدعم السعودي من مشتقات نفطية لمدة 6 أشهر مجاناً.
إن الشباب الثائر ما زال في مكانه معتصماً، يطالب بتغيير حقيقي لا عسكري، ولا حزبي، فكله مجرّب، وهو الذي أوصل السودان إلى هذا الوضع المزري. ولقد كان لشباب حزب التحرير الموجودين بين الثوار، الأثر البالغ في إيجاد الوعي على التغيير الحقيقي، كما كانت النشرة التي وزعها الحزب على المعتصمين سلاحاً قوياً في وجه كل من يحاول سرقة ثورة الشباب المتطلع إلى حياة كريمة، فقد أوضحت النشرة أن التغيير الحقيقي، وحتى لا تذهب جهود الثورة، ودماء الشهداء هدراً إنما يكون بانحياز فئة في الجيش مخلصة لعقيدة الإسلام، وليس للنظام القديم، هذه الفئة المخلصة تمثل أهل حل وعقد ترد للأمة سلطانها المغتصب، بعقد البيعة لخليفة المسلمين، الذي يطبق شريعة الإسلام دستوراً وقوانين وأنظمة. كما حذرت نشرة حزب التحرير/ ولاية السودان من مثلث إجهاض الثورات، والذي هو انحياز قيادة الجيش للنظام القديم، ثم تكوين حكومة انتقالية تسير بالنظام القديم نفسه، ثم عقد انتخابات ديمقراطية تكرس تشريع البشر الوضعي الذي جلب لنا الشقاء، وقد كان تاريخ النشرة في 08/04/2019م أي قبل الانقلاب بثلاثة أيام. وها هو ذا السيناريو الذي حذر منه حزب التحرير قد بدأت أول فصوله بانقلاب قيادة الجيش، والحديث عن فترة انتقالية مدتها عامان، ثم انتخابات ديمقراطية... ولله الحمد والمنة أن الشباب الثائر قد كان أوعى من الانقلابيين على هذا السيناريو البغيض، فنسأل الله سبحانه أن يقيض للثوار أهل قوة ينحازون لمشروع الأمة وعقيدتها، فتقام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة من السودان أرض الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع