لقد كان الطابع السياسي والعسكري هو منهاج الصراع الإنجلو - أمريكي المحتدم على اليمن لعقود من الزمن الذي تصاعدت وتيرته في الآونة الأخيرة وعلى وجه الخصوص في سنوات الحرب الأربع الماضية. فقد خلف ذلك الصراع المرير على أهل اليمن الكوارث والأمراض والأوبئة، وسفكت بسببه الدماء الزكية لعشرات الآلاف من المسلمين قرابين للدولتين المتصارعتين على النفوذ فيه وهما أمريكا وبريطانيا. فبريطانيا صاحبة النفوذ العريق فيه تسعى عن طريق عملائها الإمارات وحكومة هادي من تحقيق الحسم العسكري في صراعها ضد أمريكا وعملائها الحوثيين، كما تسعى لإفشال المفاوضات أو الالتفاف عليها حتى تفشل مخططات أمريكا الرامية إلى إضفاء الشرعية على الحوثيين... إلا أن أمريكا استطاعت عن طريق مليشيات الحوثي واستمرار عاصفة سلمان من إسقاط مخطط بريطانيا وتغيير خارطة اليمن مما أجبر بريطانيا على التخلي عن الحسم والقبول بالمفاوضات عن مضض. فقد أحكم الحوثيون سيطرتهم على صنعاء وصعدة وعمران وحجة والمحويت وإب ويصارعون من أجل إخضاع البيضاء التي لم تهدأ الحرب فيها، وقد أنقذتهم أمريكا باتفاقية السويد من السقوط في الحديدة، الذي كان قاب قوسين أو أدنى، ثم أوعزت لهم أن يلتفوا عليها ويعملوا على عرقلة خطة الانتشار فيها رغم محاولة بريطانيا المكثفة لتنفيذها لإظهار مماطلة الحوثيين ليكون لها ذريعة لتعود إلى الحسم العسكري فيها لتدخل المفاوضات القادمة وصوت الحوثي فيها غير مسموع... فقد التقى وزير خارجيتها جيرمي هنت بقيادات من الحوثيين لإقناعهم بالانسحاب من ميناء الحديدة، وفي السياق نفسه عملت بريطانيا على تثبيت الإمارات وأتباعها في المناطق التي يسيطرون عليها في الحديدة عن طريق المراقبين الدوليين، حيث نجحت في إصدار قرار من هيئة الأمم المتحدة في الشهر الماضي بإرسال 75 مراقبا دوليا لتثبيت خط الصراع في الحديدة وليس في حدود الشطرين سابقا كما هي خطة أمريكا التي تهدف إلى إيجاد إقليمين في اليمن فقط هما شمالي وجنوبي، وليس ستة أقاليم كما يريد الإنجليز.
إن الدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا لم تكن تعتمد في استمرار نفوذها في اليمن على الحكام وملئهم فقط بل أوجدت جيشا من المثقفين والإعلاميين والعلماء والوجهاء والتجار ومشايخ القبائل عن طريق دويلات الخليج كالإمارات التي تحارب في اليمن لإعادة نفوذ سيدتها بريطانيا، فبعد أن عجزت بريطانيا من إعادة نفوذها بشكل كامل عن طريق الجيش والمليشيات التي أصبحت الحروب عن طريقها مملة وغير مجدية بسبب الضغوطات الأمريكية الكبيرة عليها، ففتحت بابا جديدا للصراع هو الطابع القبلي لكي تنتفض القبائل التي غالبيتها من الوسط السياسي القديم، من أنصار صالح، فعن طريق قبيلة حجور في مديرية حجة التي حركتها الإمارات وأتباعها وكان أملهم كبيراً في أن تصمد كثيرا ريثما يحركون القبائل الأخرى فتكون شوكة في حلق الحوثيين فتضعفهم فتنتفض سائر القبائل عليهم فتسقط حكمهم، وقد صمدت قبائل حجور أسابيع بقوة أمام جبروتهم إلا أن الحوثيين وبتخطيط أمريكي مدهش استطاعوا كسر هذه القوة بأساليب منها توقيف كل الجبهات المشتعلة كالبيضاء ونهم والحديدة وغيرها، وهذا الأمر ساعد الحوثيين في دفع الآلاف إلى جبهة حجور لاقتحامها وكسرها، كما تظاهرت السعودية بمساعدة قبائل حجور وقامت بإنزالات عسكرية لهم فلما تأكدت من جاهزية الحوثيين لاقتحامها والقضاء عليهم أوعزت للمقاومة بالتخلي عنهم وخذلانهم فكان جزاءهم هو القتل والتنكيل والتشريد لكي يكون ذلك درسا للقبائل الأخرى حتى لا تفكر بالثورة عليهم فيكون مصيرها كمصيرهم، ثم تقوم السعودية كعادتها بالضربات الجوية المكثفة فتلحق الضرر بالفريسة وليس بالجزار تنفيذا لبرامج سيدتها أمريكا.
إن القادم في اليمن قد يكون أسوأ من ذي قبل وسيستمر الصراع بشكل مؤلم يؤدي إلى إهلاك الحرث والنسل ومخلفا الخراب والدمار لأن الممسك بخيط الصراع هما أمريكا وبريطانيا.
لن يوقف هذه المهازل والشقاق بين الإخوة الذي يمزق النسيج المجتمعي لهذا البلد إلا أن يعي أهل اليمن أن الخلاص لهم من ذلك كله إنما هو بالاعتصام بدينهم وإرضاء ربهم وقطع حبال أعدائهم ونزع أيديهم من يد عملائهم وأدواتهم، والالتفاف حول حزب التحرير الذي يحذرهم من مخططات أعدائهم ويدعوهم للعمل معه لإقامة خلافتهم التي تحكم بشرع ربهم وتسير على منهاج نبيهم، فتحقيقها ليس صعب المنال وإن حاول منعه الكفار الذين تزول من مكرهم الجبال.
يا أهل اليمن! أوقفوا هذه الحرب العبثية التي سفكت فيها دماء أبنائكم ودمرت دياركم وتم تنفيذ مخططات أعدائكم، فكونوا أنصار الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة كما كان أجدادكم أنصار الدولة الإسلامية الأولى... والوصول إلى هذا الهدف المنشود ليس ببعيد فهو وعد الله سبحانه الذي لا يتخلف وبشرى رسول الله e الذي لا ينطق عن الهوى، وأمتكم أمة حية لم تستسلم للوهن رغم المكر العالمي لها ورغم التضحيات الكبيرة التي تقدمها باستمرار...
وحزب التحرير الذي ولد من رحمها هو حزبكم وهو يواصل عمله بالليل والنهار لإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي قد آن أوانها واقترب زمانها، ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع