خرج المستعمر الإنجليزي من السودان بجيوشه في العام 1956م، بعد أن اطمأن على من سيخلفونه في حكم أهل السودان، وسياسة أمرهم، على دستور وضعوه هم عن طريق القاضي الإنجليزي استانلي بيكر، للفترة الانتقالية التي بدأت في العام 1953م، وعندما جاء إلى السودان حكام مسلمون، أبناء مسلمين، لم يخيبوا ظن المستعمر الإنجليزي، فأخذوا دستور بيكر على استحياء، وحتى لا يقول الناس كيف نحكم بدستور وضعه الكافر المستعمر الإنجليزي، سموه بالدستور المؤقت، ولكن هذا الدستور الذي سمي مؤقتاً، ظل هو عصب جميع الدساتير التي أتت بعده، بل إن جل القوانين، التي ما زالت مطبقة إلى يومنا هذا، أساسها هو القوانين التي وضعها الكافر المستعمر الإنجليزي... وعلى سبيل المثال لا الحصر، قوانين الشركات والأراضي، والضرائب، بل إنك تجد من يمجد هذه القوانين، ويرفعها مكاناً علياً!
ومنذ ذلك التاريخ؛ أي تاريخ خروج المستعمر عسكريا، إلى يومنا هذا ظل السودان في حالة من عدم الاستقرار، لعدم وجود نظام لرعاية شئون الناس، فالنظام الذي يطبق؛ ديمقراطياً كان أو عسكرياً، أو شمولياً، هو في الأصل قائم على الأساس الرأسمالي الذي لا يهتم أصلاً برعاية شئون الناس، ومن التضليل القول بأن الدول الأوروبية، وأمريكا، تعيش رغد العيش لأنها تطبق النظام الرأسمالي، فإن الأساس الذي قامت عليه هذه الدول هو استعمارها لبلاد إفريقيا وآسيا، ومنها البلاد الإسلامية، ونهب ثروات هذه البلاد، لأن طريقة النظام الرأسمالي هي الاستعمار، وعندما صار هنالك رأي عام ضد الاستعمار، غيروا أسلوبهم في الاستعمار من احتلال البلاد عبر الجيوش، بنهب الثروات عبر استعمار جديد أساسه القروض الربوية، التي عبرها وعبر ما يسمى بالاستثمار الأجنبي، يتم نهب الثروات، ولذلك نرى أن هذه الدول تعيش بعضاً من رغد العيش بسرقة ثروات الغير، وإفقار الشعوب، والسودان هو أحد هذه البلاد التي ما زالت تنهب ثرواتها، عبر الديون الربوية التي وصلت لأكثر من 50 مليار دولار، وعبر الاستثمار الأجنبي والشركات الأجنبية، ورغم غنى السودان بثرواته الظاهرة والباطنة، إلا أنه يعد من الدول الفقيرة، أو في الحقيقة من الدول المفقَرة بسياسات يضعها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، فيثور الناس ضد الظلم الواقع عليهم، من قبل الأنظمة الحاكمة، فتتغير الوجوه، ولكن تظل الأنظمة والقوانين هي القوانين ذاتها، ويتكرر الأمر في دائرة مجنونة لا تنتهي إلا بحل جذري يعيد الأمور إلى نصابها.
إن ما قام به النظام في السودان من حل لحكومة الوفاق الوطني، وتقليص عدد الوزارات من 31 وزارة إلى 21 وزارة، وتغيير رئيس مجلس الوزراء، وتقليص عدد وزراء الدولة بنسبة 50%، وكذلك تقليص عدد الوزارات الولائية، وغيرها من المعالجات التي يُشغل الناس بها هذه الأيام، ما هي إلا مسكنات وقتية، سيزول أثرها سريعا، لأن القضية ليست في عدد الوزراء، أو الوزارات، ولا في من يكون وزيراً أو رئيساً، إن المشكلة أكبر من ذلك، وأعمق، إن ما يحتاجه السودان هو فكرة سياسية صحيحة، قادرة على إدارة شئون البلاد، وإحسان رعاية شئون الناس، وتمكينهم من الاستفادة من خيرات الأرض، الظاهرة والباطنة، ولا بد لهذه الفكرة أن تكون نابعة من عقيدة الأمة، وعقيدة الأمة هي الإسلام العظيم الذي وضع أنظمة للحياة، جاءت بأحكام من لدن حكيم خبير، عليم بما ينفع الناس وما يضرهم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
لقد بين الإسلام للناس نظاماً يسيرون به حياتهم، نظاما أسس بنيانه، وأقام أركانه الحبيب المصطفى e، وسار على نهجه خلفاؤه الراشدون من بعده، يسوسون الناس بأحكام رب العالمين، حتى صار عدلهم مضرباً للأمثال، وحسن رعايتهم للأمة مطلباً لكل الأجيال، ورفقهم بالرعية غايةَ المنال، ثم سارت هذه الدولة، دولة الخلافة، قروناً من الزمان، تنشر الخير والعدل والرحمة للعالم، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، وتوسعت الدولة، وفشى الإسلام بأحكامه العادلة في جميع قارات العالم. ثم لما أسقطت الخلافة ضاع العدل، وشاع الظلم، وقسمت بلاد المسلمين بين الكافرين، فحكموها بظلمهم، فأفقروا البلاد والعباد، ثم سلموا الأمور لحكام لا يرقبون في الأمة إلا ولا ذمة، مهمتهم تنفيذ أوامر أسيادهم، ولو كان في ذلك هلاك البلاد، ونهب الثروات، طمعاً في البقاء في كراسي السلطة المعوجة قوائمها.
إن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله ستقوم بالآتي:
أولاً: ستقطع يد الغرب الكافر المستعمر، العابث ببلادنا، وتطبق الإسلام كاملاً في جميع مناحي الحياة.
ثانياً: ستلغي كل الضرائب والجمارك، وتمكن المزارعين من الزراعة، والصانعين من الصناعة، بل وتعينهم على ما يمكنهم من أداء أعمالهم بالصورة المطلوبة.
ثالثاً: لن تدفع الخلافة القروض الربوية، بل ستدفع أصل الدين فقط، استجابة لأمر الله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
رابعاً: ستمنع الاحتكار بجميع أشكاله، وتسمح بالبيع والشراء داخلياً وخارجياً وفق أحكام الشرع فقط.
خامساً: ستغير الخلافة العملة من الاستناد إلى الدولار، لتكون عملتها مستندة إلى قاعدة الذهب والفضة، وتتعامل بذلك داخلياً وخارجياً.
وبالجملة، ستطبق الخلافة جميع أحكام الإسلام في السياسة والحكم والاقتصاد والاجتماع... وغيرها، حتى تعود الحياة حياة إسلامية، ينعم فيها الناس بعدل الإسلام، ورضا الرحمن.
رأيك في الموضوع