أعلنت وكالة أنباء الصين الجديدة أن سفناً تحمل أفراداً من الجيش الصيني غادرت الصين في طريقها إلى جيبوتي بالقرن الأفريقي من أجل تجهيز أول قاعدة عسكرية لبكين في الخارج. وأثار موقع جيبوتي على الطريق الشمالي الغربي للمحيط الهندي قلق الهند من أن تصبح جزءاً آخر من «سلسلة اللآلئ» الصينية، من المنشآت والتحالفات العسكرية التي تطوّق الهند وتضم بنغلادش وميانمار وسريلانكا.ومصطلح «سلسلة اللآلئ» ظهر عام 2004 لدى الباحثين الأمريكيين تعليقا على نوايا الصين التوسعية الاقتصادية على المحيط الهندي.
فخلال احتفال أقيم في الميناء الصيني تشانجيانغ أعلن قائد البحرية الصينية لونغ رسميا "توجه السفن الصينية إلى جيبوتي لبناء أول قاعدة عسكرية فيها" بجانب قاعدة لأمريكا (4 آلاف جندي) وأخرى لفرنسا (3 آلاف جندي) والمئات من الجنود اليابانيين مع وجود قوات بريطانية وألمانية وإسبانية في ميناء جيبوتي.
لقد وصلت سفن الصين الحربية يوم 11/7/2017 إلى جيبوتي البلد الإسلامي الذي يحتل موقعا استراتيجيا على باب المندب، وهو ممر لحوالي 20% من حجم التجارة العالمية، والذي يصل البحر الأحمر شرقا بخليج عدن وبحر العرب حتى يصل إلى المحيط الهندي ومنه إلى الهادي وبحري الصين الجنوبي والشرقي حيث الصين والصراع على هذين البحرين. وغربا نحو قناة السويس والبحر الأبيض حيث أوروبا وخلفها المحيط الأطلسي وأمريكا. فتحولت جيبوتي إلى مركز لوجود العديد من القوات الدولية بذريعة محاربة (الإرهاب) والجماعات المسلحة (المتطرفة) المهدِّدة لاستقرار الاقتصاد العالمي ككل وليس القارة الأفريقية فحسب!
وادّعت الصين على لسان ممثل خارجيتها شوانغ أنها "ستفتح هذه القاعدة لضمان الأمن والسلام في المنطقة، وأن وجود القاعدة بجانب وجود الجيش الصيني هناك تم بعد مشاورات ودية بين الصين وجيبوتي. وستضطلع بمهام عديدة تشمل التعاون العسكري والتدريبات المشتركة ومهام الإنقاذ الطارئة وضمان أمن واستقرار الممرات البحرية الاستراتيجية".
حتى الأمس كانت الصين توظف إمكانياتها للمكاسب الاقتصادية، فمنذ سنة 2000 توسعت على الصعيد الاقتصادي في أفريقيا حتى تفوقت على الأوروبيين والأمريكيين، وخاصة في مشاريع البنية التحتية لتظهر للناس أنها تقوم بخدمتهم فيقدرونها ولا ينظرون إليها أنها مستعمِرة. وهي تسعى للنفاذ إلى مصادر المواد الخام وتعتبر هذه المسألة من أهم أولوياتها. وجيبوتي المنفذ البحري الوحيد الذي يمكّن الصين من نقل الموارد والثروات الطبيعية القادمة من إثيوبيا المجاورة. ففي سنة 2016 شُيدت سكة حديدية تربط أديس أبابا وجيبوتي لتصريف بضائعها ونقل المواد الخام إليها، وأعادت بناء ميناء جيبوتي لتتمكن من تصدير المواد الخام.
والأمريكان يعملون على تعزيز وجودهم في أفريقيا كما يعملون على تعزيز نفوذهم في منطقة آسيا - المحيط الهادئ محاذاة للصين. ولكن في أفريقيا الأمر مختلف، حيث الصراع الأوروبي الأمريكي الذي يسمح للصين بالوجود لحساب هذا أو ذاك. فأمريكا تسمح للوجود الصيني في مناطق نفوذها لمجابهة النفوذ الأوروبي كما في إثيوبيا وسريلانكا، وبريطانيا تسمح للوجود الصيني في مناطق نفوذها لمجابهة النفوذ الأمريكي كما في ميانمار وبنغلادش. لأن الطرفين يدركان أن الصين حتى أمس لا تعمل على إيجاد نفوذ سياسي لها، وبذلك يعمل كل طرف على تقوية عملائه اقتصاديا والتغطية عليهم بالصين ضد الطرف الآخر.
ولكن يظهر أن الأمر قد بدأ يتغير؛ فبدأت الصين تعمل على إيجاد نفوذ لها في البلاد التي تنشط بها اقتصاديا. حيث بدأت تخطو الخطوة الثانية بإقامة قواعد عسكرية، كما تفعل أمريكا حيث تقيم قواعد عسكرية، وبواسطتها تعمل على إيجاد نفوذ سياسي، وذلك بالتأثير على السياسيين، وبشراء العملاء، والتدخل في شؤون البلد بذريعة تأمين الاستقرار والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ومحاربة (الإرهاب) بجانب النشاط الاقتصادي والدعم والقروض. فالصين يبدو أنها تزحف زحف التنين الثقيل لإيجاد نفوذ سياسي، ولا تريد أن تقفز قفزا حتى لا تلفت الانتباه، وليس لديها تجربة بعد في ذلك. ولتتمكن من دخول حلبة الصراع الدولي فتشارك في الموقف الدولي ويكون لها تأثير فيه. فهي تفتقر إلى التجربة السياسية الدولية، فترصد ردات الفعل، وكيفية مواجهتها، فيلاحظ أنها تسير على مهل، وتريد أن تركز قدميها في كل خطوة تخطوها. وإذا حدثت ردات فعل لا تستطيع مجابهتها تؤخر قدميها، فعندما ذكر أنها تريد أن تقيم قواعد عسكرية في الباكستان وأثيرت ردود فعل أخرت قدميها، ونفت أنها تنوي ذلك. وهي تعرف قدر نفسها أنه لا يوجد لديها نفوذ سياسي في أي بلد، فتعمل بواسطة النشاطات الاقتصادية، والآن تريد أن تقوم بالنشاطات العسكرية تمهيدا للنشاطات السياسية، لعلها تقبل للتدخل في الشؤون الداخلية السياسية في البلدان التي تنشط فيها اقتصاديا وعسكريا، لأن ذلك وسيلة لإيجاد النفوذ السياسي. والذي يشجعها على ذلك إحساسها بأنها أصبحت قوية وإدراكها للضعف الأمريكي في الموقف الدولي، وملاحظتها للتحرك الأوروبي وخاصة الألماني في مجابهة أمريكا، وهي تتصل بالأوروبيين وتقيم معهم علاقات جيدة فيشجعونها على ذلك.
إن أمريكا بإعلانها يوم 1/6/2012 عن استراتيجيتها آسيا - المحيط الهادئ التي تتضمن تنقل 60% من قوتها البحرية إلى هناك، تعتبر مؤشرا لانتهاء سياسة الاحتواء الأمريكي للصين وبداية مرحلة المجابهة. فلم تستطع أن تجعلها تدور في فلكها أو تجعلها حليفة لها، فحافظت الصين على استقلاليتها كدولة كبرى إقليميا. وقد رأت أمريكا نشاط الصين الجاد والخطر في بحري الصين الشرقي والجنوبي، فبدأت تكثف العمل على تطويقها بواسطة دول المنطقة المحيطة بها ومنها الهند التابعة لها والتي لديها إمكانيات نووية. فالهند قلقة من النشاط الصيني الذي يهددها ويجعلها في موقف ضعيف لا تقوى على مجابهة الصين رغم الدعم الأمريكي لها، فتقدم الخسائر في سبيل أمريكا.
ختاما إنه من المؤسف حقا أن تكون البلاد الإسلامية ساحة للصراع الدولي وأرضا مستباحة لإقامة القواعد الأجنبية التي تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، وتجعلها مرتعا لنهب ثروات المسلمين وتفريغ جيوبهم على شراء المواد المستوردة من الصين وأمريكا وأوروبا، والسبب معلوم؛ وهو الأنظمة العميلة التي تسمح بذلك، ولا تعمل على نهضة البلاد، بل تعمل على عرقلة ذلك، وعرقلة عمل المسلمين الساعين للتحرير من ربقة الاستعمار بكافة أشكاله وإقامة نظامهم المنبثق من دينهم. ومما يؤسف له أن الصينيين وهم أدنى منا بكثير استطاعوا أن يصبحوا أقوياء، ويبدأوا بالزحف نحو الحلبة الدولية، ويقيموا قواعد عسكرية لهم في البلاد الإسلامية، وذلك بفضل أن لهم دولة تعمل على ذلك. فكيف ونحن أعلى وأرقى منهم بكثير فكرا وثقافة وحضارة وتاريخا؟! فما ينقصنا إلا دولة قائمة على مبدئنا الإسلامي تجمعنا جميعا نحن المسلمين لنصبح أقوياء أعزاء نتحكم في الموقف الدولي، ألا وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فليعمل العاملون المخلصون لها، والله يؤيدهم بنصره وبالمؤمنين وبجنود لا يرونها، الله يعلمها.
رأيك في الموضوع