دعا الرئيس الإندونيسي، جوكووي وديدو، خلال زيارته إلى ولاية سومطرة الشمالية في نهاية الشهر الماضي، إلى الحفاظ على علمانية الدولة، محذّرًا من أن خلط السياسة بالدين يؤدي إلى الاستقطاب، ومؤكدا أنه يجب على الشعب أن يعرف الحد الفاصل بين الدين والسياسة.
جاءت تصريحات جوكووي وديدو هذه في إطار الانتخابات المتزامنة لاختيار رؤساء المحلية في إندونيسيا، لا سيما في انتخابات رئيس العاصمة جاكارتا للجولة الثانية المزمع تنظيمها في 19 نيسان/أبريل، التي سببت ارتفاع وتيرة التوتر في البلاد.
والأمر الملاحظ أن الذي دفع الرئيس جوكووي وديدو إلى التصريح بمقولته هو وعي الأمة الذي أخذ يتقوى، والظاهر في دفاعهم عن القرآن الكريم ورفعهم للشعار أن دستور القرآن هو خير من الدستور الوضعي المطبق حاليا، وأيضا دفع إلى ذلك الإزعاج الذي حصل بسبب احتجاجات الأمة ضد أهوك النصراني، الحاكم الحالي للعاصمة والمرشح في الانتخابات الأخيرة.
وقد سبقت تصريحات بعض الأطراف الموالية لأهوك حول الردود لمحاولات "تسييس الدين" كما سموه، حيث جرت إعادة تصعيد هذا المصطلح مؤخرا نتيجة رفض المسلمين تولية الكافر منصب الرئاسة وبالتالي رفض أهوك النصراني الذي أظهر عداوته للإسلام وإساءته لحرماته.
الجدير ذكره هو أن العلمانية فرضتعلى البلاد من قبل القوة الاستعمارية، أي حكومة هولندا بشكل أخص، حيث إن هذا المبدأ قد تضمنه دستور هولندا سنة 1855 - المادة 119 التي نصت على أن الدولة اتخذت موقفاً محايداً تجاه الدين، أي أن الدولة لا تنحاز إلى دين معين ولا تتدخل بشأنه. وأيضا إنه مصرح في توصيات كريستيان سنوك هرخرونيه إلى سلطة هولندا لمواجهة القضايا الإسلامية في إندونيسيا، منها أن تمنع حكومة هولندا كل محاولات لجذب شعب إندونيسيا إلى الحركة الإسلامية.
والمفترض أن يكون استقلال إندونيسيا في عام 1945 زخما للتخلص من سيطرة القوى الاستعمارية بأكملها، ومنها التخلص من الأفكار السامة المفروضة على البلاد بما فيها من مبدأ العلمانية، ولكن مع الأسف، لا يحصل ذلك، وإنما الأمر مقتصر في تغيير الحاكم دون تغيير النظام، وقد تبادلت الحكومة ولم تزل فكرة استعمارية تهيمن على السياسة وتتزايد، فإذا كانت الحكومة السابقة تخجل أن تقول إن البلد يبنى على العلمانية حيث يقولون إن إندونيسياليست دولة علمانية ولا دينية، فإن الرئيس جوكو ويدودو قد صرح بذلك تصريحا جليا لا غموض فيه، وإنه مخلص في اتباعه للغرب وترسيخه لهيمنتهم.
وكون العلمانية ورقة الغرب المستعمر التي ضمنت بقاء الاستعمار في بلاد المسلمين يظهر فسادها وإفسادها للبلاد في كل جوانب الحياة، وذلك ناتج عن إقصاء الدين عن رعاية شؤون الحياة فضلا عن جشع الدول المستعمرة الناتج عن عقيدتها النفعية.
ففي الحياة السياسية جعل الحكم والسلطان وسيلة للوصول إلى المصالح المادية، وجعل فكرة الحرية المزعومة تبريرا لأشكال المعاصي وليس حرية لتطبيق شرائع الدين وأحكامه، وجعل فكرة سيادة الأمة ذريعة للرأسماليين للتسلط على الحكومة فأصبحت في زمامهم وظلت تعمل لصالحهم.
فلا غرابة إذا أهملت الحكومة مصالح الرعية على الرغم من أنها تتولى المناصب باسم الرعية وسيادتهم، لأن هذه السيادة ما هي إلا الخذلان. فكيف يشارك الشعب في لحظةٍ عابرةٍ فيما يسمى بالانتخابات، ثم يجب عليهم الاستسلام بكل ما سنت الحكومة من سياسات وتشريعات، ولا يوجد هناك معيار ثابت لمعرفة الحق من الباطل، بل الحق والباطل يتم تحديدهما بحسب مصلحة الرأسماليين المتمثلة في القوى السياسية الحاكمة. فهذا يكفي للكشف عن زيف هذا النظام العلماني.
وأما في الحياة الاقتصادية فقد انبنى على العلمانية فكرة الحرية في تملك الأموال وإدارتها واستهلاكها، فكانت التجارة في البغاء والدعارة مشروعة في بلاد المسلمين، وأصبح الربا دعامة، وظلت سيطرة الرأسماليين على اقتصاد البلاد متكرسة فضلا عن استحواذهم على الملكية العامة...
وأما في الحياة الاجتماعية فقد كانت الفوضى الأخلاقية أمرا لا قِبَلَ لدفعه، حيث أصبحت المرأة سلعة يتاجر بها، وأصبح الزنا والإباحية أشياء عادية لا غضاضة في إتيانها، وصار نظام الأسرة منهارا، وباتت الأمراض الجنسية منتشرة.
فكل ذلك الفساد ناتج عن مبدأ العلمانية المطبق في البلاد ومنع الدين من التدخل في الحياة العامة. أما آن للأمة الإسلامية أن ترفض العلمانية بالكلية لا مجرد الاعتراف أن دستور القرآن هو خير من الدستور الوضعي؟! ألا يكفي أن الله سبحانه وتعالى جعل القرآن نورا وهدى وروحا وصراطا مستقيما وسبيل السلام؟! وحيث إنه من الله تعالى خالق الكون الإنسان والحياة فإن هذا الدستور لا يعدّل، ولا يغيّر، ولا يبدل، ولا يطور، ولا يضاف إليه شيء، ولا يحذف منه شيء، ولا يخلط بغيره، ولا يساوم عليه، بل لا يُتدرج في تطبيقه.
فإنه من الواضح أنه لا مكان لفكرة فصل الدين عن السياسة في الإسلام، فالإسلام دين ومنه الدولة. وسيبقى الصراع بين الأمة الإسلامية وكل الطواغيت التي حكمت بغير ما أنزل الله. لأجل ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 43-44]. وحيث إن دولة الخلافة على منهاج النبوة هي الوحيدة التي تضمن تطبيق كافة شرائع الإسلام ودستوره والتي ستحقق العدل للبشرية جمعاء، فإنه يجب أن تكون جهود الأمة منصبة على إقامتها لتحل محل الدولة القائمة على فصل الدين عن الحياة.
بقلم: أدي سوديانا
رأيك في الموضوع