على الرغم من تسخير نظام باكستان جميع إمكانات باكستان في خدمة المصالح الأمريكية على مدار العقود الأربعة الماضية، وبالتحديد منذ الحرب الأفغانية السوفيتية (عام 1979م)، بالرغم من ذلك إلا أنّ أمريكا تظل تطلب من باكستان بذل المزيد من الجهود في خدمة مشاريعها في المنطقة وتنفيذها، حتى أصبحت طبيعة العلاقة بين البلدين مثل علاقة السيد والعبد، يستمر السيد في جلد عبده لبذل مزيد من الجهود في خدمته، لا حول ولا قوة إلا بالله!
ضمن هذه السياسة الأمريكية قال الجنرال جون نيكلسون أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي (يوم الخميس، التاسع من شباط/فبراير 2017م) إنّ "أفضل طريقة لتقييم علاقتنا المعقدة مع باكستان تكون من خلال مراجعة شاملة، مضيفاً أن الأخيرة تدعم طالبان وتقوض موقف الحكومة الأفغانية"، فعلى الرغم من أن باكستان بذلت جميع الجهود، فإن تصريحات نيكلسون تشير إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستنتهج سياسة أشد صرامة تجاه باكستان، حيث أضاف نيكلسون أن العلاقات مع باكستان ستكون لها الأولوية في مناقشاته مع وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس والبيت الأبيض الذي لم يصرح بأية تفاصيل تُذكر عن استراتيجيته في أفغانستان وباكستان.
هناك العديد من المهام التي تطلب واشنطن من باكستان القيام بها، وهي جميعها تصب في خدمة الطرف الأمريكي فقط، ومن هذه المهام التي تظل أمريكا تؤكد عليها وتحرّض باكستان على القيام بها دون ملل أو كلل:
أولاً: أفغانستان: على الرغم من أن باكستان كانت العامل الأقوى لهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، حيث كان المقاتلون الباكستانيون يتدفقون من باكستان لقتال القوات المحتلة السوفيتية، وكانت باكستان تدعمهم بالمال والسلاح وبالمعلومات الاستخباراتية وتوفر لهم الملاذات الآمنة، إلا أن أمريكا ادّعت أنها هي التي هزمت الاتحاد السوفيتي وأجبرته على التفكك في عام 1991م، متناسية فضل باكستان ومساهمتها في ذلك! على الرغم من أنه لولا خيانة حكام باكستان لما استطاعت أمريكا غزو أفغانستان واحتلالها في أعقاب أحداث أيلول من عام 2001م، وذلك من خلال توفير باكستان للقواعد العسكرية في أراضيها للطائرات الأمريكية التي كانت تقصف، كما سحبت جميع رجالاتها من أفغانستان (وكانوا أكثر من عشرة آلاف من رجالات الاستخبارات (ISI) وخبراء عسكريين كانوا هم عملياً الذين يديرون حكومة طالبان في كابول)، بالرغم من ذلك إلا أنّ جورج بوش هو الذي أعلن منتشياً بأن قواته الجبانة هي التي انتصرت على طالبان! ولما عجزت أمريكا عن مواجهة والقضاء على المجاهدين الذين كانوا يناهضون احتلالها لبلادهم، لجأت كالعادة لباكستان لمواجهتهم، فلم يتردد حكام باكستان الخونة من القادة السياسيين والعسكريين، ابتداء ببرويز مشرف ومروراً بزارداري وانتهاء بنواز شريف، وراحوا يستخدمون كامل طاقة باكستان العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية في ملاحقة المجاهدين والتضييق عليهم ومطاردتهم في معاقلهم، وخصوصاً في المناطق القبلية الباكستانية ووزيرستان، التي كانت الملاذ الآمن لهم من قوات التحالف التي تقودها أمريكا في أفغانستان، حتى إذا عجزت باكستان عن القضاء على جذوة مفهوم الجهاد المعلوم من الدين بالضرورة والذي نشأت عليه أجيال عديدة في باكستان، لجأت إلى أسلوب المراوغة وفن الممكن، من خلال فتح باب ما يُسمى بالمفاوضات بين المجاهدين المخلصين من طالبان وبين أمريكا وعملائها في الحكومة الإمعة في كابول.
ثانيا: الهند: لطالما كان تقليم أظافر باكستان وإضعافها عسكرياً واقتصادياً دور أمريكا، وتخلي باكستان عن كشمير المحتلة لطالما كان الجزرة التي تلوح بها أمريكا لاستمالة الهند إليها بدلاً من عمالتها لبريطانيا، وفي الوقت الذي كانت فيه باكستان تسخّر طاقاتها العسكرية في محاربة عدو أمريكا اللدود (الإسلام) أو ما يسمونه "الإرهاب"، كانت الهند تطور من سلاحها الاستراتيجي النووي، وفي الوقت نفسه كانت أمريكا تفرض العقوبات تلو العقوبات على باكستان لمجرد أنها كانت تحاول مواكبة القوة العسكرية للهند (عدوها الاستراتيجي)، وليست أقل تلك العقوبات عدم تسليم أمريكا باكستان المقاتلات من طراز (F16)العام الماضي، والتي كان متفقاً عليها بين البلدين من قبلُفي صفقة بلغت قيمتها (699) مليون دولار، وفي الوقت الذي كانت فيه الهند تقوّي من اقتصادها وتدعم بنيتها التحتية وتبني مدن (السلكون) في (بنجلور) وغيرها وتنضم إلى الدول النامية الصناعية (البريك)، كانت باكستان تستنزف اقتصادها في العمليات العسكرية في منطقة القبائل، حتى أصبحت الكهرباء تنقطع عن المصانع والناس ساعات أطول من الساعات التي تعمل فيها، مما اضطر العديد من المصانع الحيوية من مثل مصانع النسيج إلى الإغلاق، وتصحرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
ثالثا: الحرب على "الإرهاب": منذ نشوء باكستان وانفصالها عن الهند من قبل بريطانيا التي كانت تهيمن على المنطقة في عام 1947م، كان يُبث في روع أهل باكستان أن دولتهم دولة إسلامية، وأن أي راغب في العيش في ظل الإسلام عليه بالهجرة إلى باكستان، ولما اتخذ الغرب وعلى رأسه أمريكا الإسلام العدو الاستراتيجي له، كانت مهمة النظام في باكستان هي إخراج الناس في باكستان عن دينهم وحصره في المساجد والشعائر التعبدية فقط، وخصوصا إبعادهم عن مفهوم الجهاد الذي كان متمثلاً في قتال قوات التحالف الغربي وعلى رأسه أمريكا في أفغانستان، لذلك راح النظام منذ أحداث أيلول 2001م يقوم بحملات أمنية لملاحقة أي مجاهد أو مقاوم للاحتلال الغربي لأفغانستان ومنعه، فزج بالآلاف من المجاهدين في السجون، وصفّى جسدياً الآلاف أيضاً، واختطف الآلاف وغيّبهم عن الأنظار فيما يعرف "بقضايا المفقودين"، ولم تسلم الأحزاب السياسية والناشطون من ملاحقة النظام واستهدافه، وخصوصاً المخلصون من العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، حيث اعتقل النظام العشرات منهم واختطف العديد وأخفاهم عن الأنظار، ومنهم الناطق الرسمي لحزب التحرير في باكستان (نفيد بوت).
على الرغم من أن حكام باكستان لم يدّخروا جهداً في موالاتهم لأمريكا، وفي المقابل خيانتهم العظمى لله ولرسوله وللمؤمنين، إلا أن أمريكا تستمر في طلب المزيد من الجهود، فصدق فيهم قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...﴾، ولو عقل هؤلاء الرويبضات لأدركوا أن أمريكا في أضعف عهودها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وحضارياً، وهي تعتمد على جبنهم وجهلهم في تنفيذ أوامرها، ولو قرروا التمرد عليها لما كانت أمريكا قادرة على إلزامهم أو قهرهم بأية وسيلة كانت، خصوصاً إن هم سلموا قيادتهم للسياسيين الحقيقيين من شباب حزب التحرير، من الفقهاء والمفكرين والسياسيين المخلصين، وأصحاب المشروع الحضاري العظيم (الخلافة على منهاج النبوة)، فما ضر هؤلاء لو خلوا بيننا وبين أمريكا، فإن أظهَرنا الله على أمريكا كان لهم بعض من ذلك الشرف، وكان ذلك لهم شفيعاً عند الله سبحانه وتعالى؟!
رأيك في الموضوع