تطفو على السطح بين الفينة والأخرى تصريحات لبعض أدوات أمريكا في المنطقة تُظهر وكأنهم مستقلون باتخاذ القرار السياسي أو بما يتعارض مع مصلحة أمريكا الدولة الأولى، وهذا ظاهر بين بعض الأدوات التي بيد أمريكا مثل بلاد الحجاز وإيران وأحيانا تركيا ومصر، فكان من المحتم علينا توضيح هذا الأمر بما يلزم خشية أن يقع التضليل السياسي على بعض أفراد الأمة التي قد تخدع ببعض التصريحات دون إدراك حقيقة هذه الأدوات وحجم المساحة المتاحة لها من قبل الدولة صاحبة القرار.
إن الدولة الأولى هي صاحبة القول الفصل في تحريك هذه الأدوات وإعادة تموضعها ونقلها وتحريكها بما يخدم مصلحة الدولة الأولى وليس للأدوات أن تعارض هذا أو أن تقف في وجهه لأنها مجرد أداة بيد صاحبة القرار تستطيع تلك اليد أن تخرجها أو أن تحرقها أو أن تحملها النتائج السلبية لما قامت به عوضا عنها، بل قد تنقلب عليها ويعود الأمر بالسوء على كيانات تلك الدول وهذا أمر مدرك في الوقت الحاضر.
ولكن ليس معنى هذا الكلام أن لا تتعارض مصالح تلك الأدوات في مسألة ما، فكل دولة من الأدوات لها مصالح قد لا تلتقي بالضرورة مع مصالح بقية الأدوات، وهذا التعارض - إن وجد - فهو ضمن المساحة المتاحة من الدولة الأولى صاحبة القرار أولاً، وثانياً بما لا يتعارض مع مصلحة الدولة الأولى.
ولنضرب مثلا على ما ذكر في تعارض التصريحات بين إيران والسعودية، حيث تناقلت الأخبار ما قاله اللواء أحمد عسيري، المتحدث الرسمي باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، إن الوقت قد حان "كي يتغير سلوك إيران في المنطقة، ووقف تدخل طهران في الدول المجاورة". وأضاف عسيري الذي يعد أهم مستشاري وزارة الدفاع السعودية، في تصريحات لبي بي سي، إن المجموعة الدولية بحاجة إلى استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران.
وورد أيضا على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على ضرورة وضع حد للتدخلات الخارجية وخصوصا إيران في شؤون المنطقة.
وقد بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المواجهة الفعلية مع إيران، بإعلان عقوبات جديدة على 25 شخصًا وكيانًا ضمن الشبكات الإقليمية لطهران، ردًا على التجربة الصاروخية الأخيرة و«أنشطة طهران المزعزعة لاستقرار» المنطقة. وذكرت إيران أنها سترد بالمثل على إجراءات أمريكا.
من المعلوم أن نظام بشار المجرم نظام عميل لأمريكا أوشك على السقوط فرأت أمريكا حمايته من خلال استراتيجية القيادة من الخلف باستخدام الأدوات غير المباشرة لحماية عميلها، فاستخدمت بعض الأوراق للحفاظ على عميلها ومن هذه الأوراق حزب إيران وإيران بذاتها ومليشيات إيران سواء أكانت عراقية أو من أفغانستان وغيرها من الدول، ودول الخليج بالمال السياسي القذر لحرف مسار الثورة فعجزت تلك الأوراق فجلبت لها الورقة الروسية العسكرية بكامل صلفها وغرورها وإجرامها ثم الورقة التركية المسمومة بالسم القاتل.
وبعد الأحداث التي طرأت على الثورة بعد سقوط حلب ظهر هناك صراع بين هذه الأدوات من خلال التصريحات بين كل من إيران وروسيا وبين إيران والسعودية بحجة تدخل إيران بالمنطقة مع أن الذي أحضرها هو الولايات المتحدة سواء في العراق أو الشام أو اليمن. لا بل إن أكثر من ساعد أمريكا هي إيران ولولاها لغرقت أمريكا في بلاد المسلمين.
ولأن مصلحة أمريكا ببقاء نظام بشار المجرم وعدم سقوطه وعدم انتصار الثورة الشامية رفضت تدويل المسألة السورية وجمعت كل الأدوات التي استطاعت للمحافظة على عميلها، ولأنها استخدمت النظام الإيراني بمشروعه الطائفي ضد الثوار وأوغلت في دماء المسلمين بحيث إنها أصبحت جزءا من المشكلة، وهي أي أمريكا تريد الحل السياسي، كان لا بد من إخراج إيران من سوريا واستخدام الورقة التركية لأن بقاء إيران هو بقاء لطرف يدفع باتجاه التأزيم لا الحل السياسي، وكذلك بالنسبة لليمن حيث أرادت الولايات المتحدة أن تحافظ على الحوثيين كموطئ قدم لها في اليمن وعدم إضعافهم وإشراكهم في الحكم،
ولكن بعد مجيء سلمان للحكم وانتقال السعودية من العمالة للإنجليز إلى الأمريكان أمنت على الحوثيين حيث أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن جماعة الحوثيين يظلون جزءاً من النسيج المجتمعي لليمن، بل ألزمت اليمن للسعودية لتحقيق المصالح الأمريكية هناك بطاقة أكبر من طاقة الحوثيين وبطريق مأمون عن طريق عميل لا مشروع له ومقبول لدى العشائر اليمنية. هذا وإن اقتضى تعارض المصالح بين الأدوات ولكن ليس على حساب المصالح الأمريكية وبما تسمح به أمريكا لا بل إعادة ترتيب الأدوار وتفعيل جميع الأدوات تحقيقا لاستراتيجية أمريكا بالقيادة من الخلف واستخدام كافة الأوراق بما يخدم مصالحها هي فقط، ولو أدى لضرب مصالح الأدوات التي قبلت على نفسها أن تكون أداة بيد الدولة الأولى تستخدمها وقتما تشاء وتلقيها في هاوية سحيقة وتدفع بورقة أخرى مكانها. فهذه إدارة ترامب هددت إيران بالملف النووي وإعادة النظر فيه مع أنه اتفاق مذل ومخزٍ لإيران تنازلت فيه عن الكثير، إلا أن ترامب قال إن إدارة سلفه باراك أوباما ألقت طوق النجاة لطهران التي "كانت على شفا الانهيار" حتى جاءت أمريكا وألقت لها بطوق النجاة في شكل اتفاق: 150 مليار دولار"... ولكن الظرف آنذاك اقتضى دعم إيران وتقويتها لظروف واعتبارات لكن الأمر تغير بعد كثرة الأدوات وتنوعها وتورطها فلا حاجة لأن تحظى إيران بنصيب يذكر بل يجب أن تدفع هي الأخرى ولن تسمح لها أمريكا بشيء.
تناولت مجلة فورين بوليسي الأمريكية السياسة الخارجية للولايات المتحدة وما يتعلق بأطماع أمريكا في ثروات الشرق الأوسط، وقالت إن المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب يعتزم سرقة نفط المنطقة. وأوضحت فورين بوليسي من خلال مقال تحليلي للكاتب مايكل كلير، أن سياسة الحصول على نفط الشرق الأوسط كانت محور نقاش في الولايات المتحدة منذ عقود، وترامب أعرب في أكثر من مناسبة عن رغبته في الاستيلاء على نفط العراق في حال فاز وأصبح رئيسا لأمريكا.
هذه حقيقة وتفاهة تلك الدول التي قبلت أن تكون أداة بيد الولايات المتحدة، فعن أي مصلحة تتحدث إيران والسعودية وهي تُحلب وتستنزف وتطالَب بالدفع؟!
رأيك في الموضوع