ما إن أسدل الستار عن مؤتمر الأستانة الذي عقد في الـ23 من كانون الثاني حتى كشف عن الكثير الكثير من الحقائق والوقائع والتي لم تكن لتظهر إلا بما قرره المؤتمر، فقد عقد مؤتمر أستانة بعد مضي حوالي 6 سنوات من عمر ثورة الشام المباركة ليكون عنوانه العريض ضرب كل ما قدمه أهل الشام على مدى ثورتهم، راميا خلفه دماء سالت وأعراضاً انتهكت ودوراً دمرت ومدناً أزيلت.
كشف الغطاء عن واقع كثير ممن ألبسوا على أهل الشام ثورتهم وفضح كل الأدوار والممثلين والسيناريوهات.
وكانت نهايته دستوراً روسياً بديلاً لسوريا لم تملك الأطراف سوى السمع والطاعة مع تمثيل هاوٍ بالرفض والتعنت المفضوح، ومع إظهار وعي لمحتوياته والتعديل عليه كما حصل مع معارضة أمريكا التي نجحت في تغيير كلمة جوهرية ضمن الدستور الموضوع، فبدل كلمة دولة ديمقراطية أصبحت دولة علمانية وبذلك بقيت محافظة على مبادئها التي وجدت لأجلها...!
في حين بدأت نتائج المؤتمر تظهر جليا على الأرض من خلال احتقان بين فصائل مثلت في المؤتمر وفصائل لم تمثل فوقع بينها اقتتال سالت بسببه دماء معصومة بغير حق.
انتهى مؤتمر الأستانة وبدأت بعده خطواتهم العملية لمحاولة احتواء ثورة أهل الشام بالسرعة القصوى كي لا يحدث ما لا يحمد عقباه وما هم في خوف من وقوعه في أي لحظة وتصريحاتهم تدل على ذلك.
فكان من أولى خطواتهم هو السعي والبذل لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان حاضرا في أستانة والذي دفع وفد السفاح للمضي فيه وتثبيته وذلك لأجل كسب مزيد من الوقت ونفخ الروح في نظام متهاوٍ ولتحقيق مكاسب على الأرض، مهمة المجتمع الدولي غض الطرف عنها وإعطاؤها الشرعية بحجة محاربة (الإرهاب)، فقد تقرر في إطار ذلك عقد مؤتمر ثلاثي للأطراف الضامنة في أستانة لمتابعة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار.
في حين صفع دي مستورا معارضة أمريكا وعرّاها تماما من خلال تهديداته بأنه سيقوم بمفرده بتشكيل وفد المعارضة لجنيف؛ ما أثار حفيظة العملاء الذين بدأوا بتصريحات جوفاء، مآلها السمع والطاعة للأسياد، مثلما حصل مع روبرت فورد عندما اختار أعضاء الائتلاف من خلال فرزهم بالاسم ليمثلوا أهل الشام.
تأتي كل تلك الأحداث في ظل دعوات من قبل روسيا لإعادة الحياة للنظام وإعادة إنتاجه من جديد بربطه بجمعية العمالة جامعة الدول العربية من خلال دعواته لإعادة تفعيل عضوية نظام أسد فيها ليكون للجمعية دور أكبر بإعادة السلام لسوريا وممارسة دورها بفعالية أكبر.
كما أنها تأتي في ظل تحرك ميداني على الأرض من قبل جميع الأطراف من فصائل معارضة وجيش مجرم للسيطرة على معقل تنظيم الدولة بمدينة الباب مما دفع للحديث عن احتمال حدوث صدام بين تركيا متصدرة درع الفرات وراعيته وبين جيش أسد.
احتمالات للصدام تخالفها أفعال الطرفين اللذين رشح عنهما أن بينهما اتصالات دبلوماسية سرية ومحادثات وإمكانيات توقيع اتفاقيات فيما بعد وعودة الدفء للعلاقة بينهما.
وهناك صراع من نوع آخر يعاني منه أهل الشام من مثل اللجوء وسوء المعاملة والقتل والقصف والظلم، لكسر إرادتهم ودفعهم للقبول بما يحاك لهم، مستغلين حاجاتهم ومعاناتهم.
هذه هي نتائج مؤتمرات السلام لسوريا؛ مزيد من القتل والتشريد والدمار يقع على أهل الشام.
وأما أهل الشام ورغم كل ما مروا به من معاناة وتضحيات، ورغم ما ألمّ بهم من مصائب ونكبات، ورغم ما وقعوا تحت وطأته من خيانات ومؤامرات على مدار ما يقارب ست سنوات، ورغم ما بات يظهر على محياهم من تعب ومشقة، فإن قلوبهم ما زالت عامرة بالثقة بالله، وألسنتهم تلهج بذكر الله سائلينه سبحانه وتعالى أن تكون تضحياتهم خالصة لله وحده، وأن تكون نتيجة عملهم هي رضوان الله سبحانه وتعالى، وأن يكرمهم بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تعيد لنا عزنا وكرامتنا ونقتص بها ممن ظلمنا، إنه على ما يشاء قدير.
بقلم: عبدو الدلي*
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
رأيك في الموضوع