في يوم الأربعاء 28/12/2016م، أجاز البرلمان السوداني تعديلات دستورية محدودة، من بينها استحداث منصب رئيس وزراء، وأعطت هذه التعديلات رئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الوزراء وإقالته، على أن يكون مسؤولاً أمام البرلمان. وجاء استحداث المنصب إنفاذاً لتوصيات الحوار الوطني التي اعتمدت في تشرين أول/أكتوبر الماضي، وسط مقاطعة من فصائل المعارضة الرئيسية، حيث نُص في توصيات الحوار الوطني - لجنة قضايا الحكم ومخرجات الحوار - محور الدستور، تحت الرقم (8)، على ما يلي: "اعتماد النظام الرئاسي نظاماً للحكم، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وإنشاء منصب رئيس وزراء توكل له السلطات التنفيذية".
ومعلوم أن السودان قبل انقلاب البشير في حزيران/يونيو 1989م، كان يحكم بواسطة نظام برلماني، يرأس الحكومة فيه رئيس وزراء، وكان الصادق المهدي هو آخر رئيس وزراء، وهو النظام الذي ورثه السودان من المستعمر الإنجليزي، وانقض عليه العسكر ثلاث مرات، آخرها كان هذا النظام الذي ما زال يحكم السودان على حسب الرؤية الأمريكية، أي النظام الرئاسي الذي يعطي رئيس الجمهورية سلطات واسعة، وبما أن أغلب المعارضة، أي المؤثرة فيها، تتبع للإنجليز، فإنهم يحنون إلى نظام رئاسة الوزراء، ولذلك دفع به ضمن توصيات مؤتمر الحوار الوطني، ظناً منهم أنهم بهذا المنصب، سيستطيعون تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، ولذلك جاراهم النظام على هواهم، إلا أن النظام لم يتنازل عن القبضة الرئاسية، وهذا يظهر جلياً في التوصية نفسها، إذ تقر التوصية باعتماد النظام الرئاسي نظاماً للحكم، وهذا وحده كافٍ لإسقاط منصب رئيس وزراء له صلاحيات تنفيذية حقيقية، وهذا ما أكده التعديل المتعلق باستحداث منصب رئيس وزراء، فهو منصب بلا صلاحيات حقيقية، وإنما هو منصب صوري، حيث إن الأمر من قبل - أي التعيين - هو من حق رئيس الجمهورية، ومن بعد - أي الإقالة - أيضاً من حق رئيس الجمهورية، أي أن رئيس الوزراء ليس له حق تشكيل وزارته بمعزل عن رئيس الجمهورية، بل ليس له حق تعيين أو إقالة أي وزير. ثم هو مسؤول أمام البرلمان، فالمنصب بهذه الصورة لا علاقة له بمنصب رئيس وزراء كما كان في الأنظمة البرلمانية السابقة أو الموجودة في البلاد التي تتخذ من هذا النظام نظاماً لحكمها، وإنما هو مجرد كبير وزراء من ذات النظام الرئاسي المتحكم في السودان.
ثم إن هذا المنصب المستحدث، سواء بصورته الشكلية هذه، أو بصورته الحقيقية ماذا يفيد أهل السودان؟! هل سيحل هذا المنصب المستحدث مشاكل السودان السياسية، أو الاقتصادية، أو الأمنية، أو غيرها؟! إن الحقيقة الساطعة، والواقع الماثل، يؤكد أن القضية ليست في استحداث منصب، أياً كان، لصالح المعارضة أو غيرها، وإنما المعضلة الحقيقية، هي في الفكرة السياسية الأساسية التي يحكم على أساسها السودان. فلو أن النظام جاد، أو أن الأمر بيده لا بيد أمريكا، فإن الطريق واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، والفكرة السياسية الصحيحة والصادقة، والقادرة على حل جميع مشاكل البلاد، بل مشاكل العالم موجودة، تحتاج لمن يتبنى أحكامها، وينزلها لأرض الواقع، أنظمة تعالج قضايا الأمة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية وغيرها.
أما أحزاب المعارضة والتي تريد تغيير النظام، أي تغيير الحكام في ظل النظام الجمهوري الرأسمالي الديمقراطي، فإنا نقول لهم، لقد كنتم أنتم أو أسلافكم في ذات الأحزاب في يوم من الأيام جزءاً من نظامٍ حَكَمَ السودان، سواء في الحقب الديمقراطية، أو العسكرية الشمولية، فكل هذه الأنظمة، منذ خروج جيش المستعمر الإنجليزي من البلاد، في كانون الثاني/يناير 1956م، وحتى يومنا هذا، لم توجد للبلاد استقراراً، أو نهضة، وإنما كان الحكم عندكم وعند من هم الآن في السلطة، عندكم جميعاً هو (كيكة)، تريدون أخذها أو أخذ جزء منها. وأنتم مسلمون أبناء مسلمين، والنبي محمد e يقول في شأن الحكم: «... وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» (صحيح مسلم). فإن من الأمانة أن تعيدوا الأمور إلى نصابها بدلاً عن التمادي في المنكر الذي أنتم فيه، وتعملوا مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ترضون بها ربكم، وتسعدون بها أمتكم، وتغيظون بها عدوكم.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع