ما زال الإسلام والوجود الإسلامي في فرنسا خاصة وفي أوروبا عامة يشكل قلقا متناميا لدى الساسة الفرنسيين منذ بدء وجود المسلمين هناك، ومع مرور الوقت وتنامي عدد المسلمين هناك وازدياد وعيهم السياسي على دينهم اشتد السجال بشأن الإسلام خاصة في هذه الأجواء المشحونة التي تعيشها فرنسا، والحقيقة التي يعيها المسلمون في فرنسا منذ قرابة عقد من الزمان أن هناك تغييراً يوشك أن يحدث في مسألة تعامل فرنسا ومؤسساتها مع الإسلام والمسلمين. إلا أن هذا التغيير لم يكن متبلوراً بعد في عقول صناع القرار في فرنسا، ولذا فقد كانت فرنسا تتخبط في سياسات عشوائية غير مدروسة تجاه الإسلام والمسلمين. أما الآن فالذي يبدو هو أن الحكومة الفرنسية تنتهج سياسة مدروسة في هذا الصدد. فقد بدأت بمشاورات لإنشاء هيئتين جديدتين بهدف وحيد هو "تعزيز إسلام فرنسي" منسجم مع قيم الجمهورية العلمانية، مما أثار سجالا بشأن الإضافة التي ستقدمها هاتان المؤسستان.
ويتعلق الأمر بمؤسسة "إسلام فرنسا" التي عُهد برئاستها - كما كان متوقعا - إلى الوزير الفرنسي السابق جان بيير شوفينمون، وحددت مهامها في الإشراف على التكوين غير الديني للأئمة، ودعم البحوث في مجالات العلوم الإسلامية، وتمويل المعارض وكل المشاريع التي لها علاقة بدمج الإسلام في المجتمع في فرنسا. وسيتشكل المجلس الإداري لهذه المؤسسة من ممثلين عن وزارة الداخلية الفرنسية والمجلس الفرنسي للدين الإسلامي، بالإضافة إلى شخصيات ثقافية معنية بقضايا الإسلام في فرنسا.
وبالموازاة مع هذه المؤسسة، سيتم إنشاء جمعية ثقافية أخرى لم يحدد بعد اسمها، وإن حدد هدفها وهو توفير التمويل للمساجد بعيدا عن أموال الخارج، حيث يجري التفكير في طريقة مبتكرة لإيجاد التمويل تتمثل في مساهمات اختيارية من قبل الشركات العاملة في قطاع المنتجات الحلال.
وقد بدأ وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف المشاورات مع كل من المجلس الفرنسي للدين الإسلامي- وهو المجلس الذي تأسس منذ عام 2003 وينظر إليه من قبل السلطات باعتباره الممثل الرسمي للمسلمين في فرنسا - ورئيس "مؤسسة إسلام فرنسا" جان بيير شوفينمون - الوزير السابق الذي يثير ترشيحه للمنصب جدلا بين مؤيد ومعارض - ومع شخصيات ثقافية يتوقع أن تنضم إلى المؤسسة.
ومع الإعلان عن إنشاء هاتين المؤسستين، يدور سجال في فرنسا حول ما إذا كانت الإضافة التي ستقدمانها تتناسب والزخم الذي رافق الإعلان عنهما، خاصة في ظل وجود مؤسسات سابقة أوكلت لها أهداف مشابهة لم يتحقق منها إلا النزر اليسير. كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الفرنسي للدين الإسلامي، وعن "الحكمة" من اختيار رئيس غير مسلم لقيادة مؤسسة ستُعنى بالشأن الإسلامي في فرنسا.
وهنا لا بد من التوقف على حقيقة الأمر، فما هي حقيقة الكلام عن "إسلام فرنسي" وما هي أهدافه؟ وهل تختلف هذه الدعوة عن سابقاتها في دول غربية أخرى "إسلام أمريكي" و"إسلام بريطاني"؟ وهل هناك فرق بين ما يدعون إليه وبين الدين الإسلامي الذي نزل على نبينا الكريم e؟
الحقيقة هي أن فرنسا حالها كحال مثيلاتها من دول الغرب الكبرى تحاول تحريف الإسلام وإعطاءه معاني تتوافق مع حضارتها، أي أن فرنسا بصدد إنشاء دين جديد غير الدين الذي نزل على خاتم البشر والنبيين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم اسمه (إسلام فرنسي!). وهو دين محرف وملفق ومغير ليتناسب مع العقيدة الرأسمالية التي تتبناها فرنسا والتي تقوم على فصل الدين عن الدولة. أي أن فرنسا تريد بهذا الدين المختلق المسمى بـ (إسلام فرنسي) أن تفرغ الإسلام الحقيقي من مضمونه السياسي، ومن النظرة إلى الحياة التي جاء بها، وهي نظرة الحلال والحرام، وبذلك تكون قد فصلت المسلمين في فرنسا عن أمتهم الإسلامية في العالم أجمع وأخضعتهم لمبدئها الرأسمالي واحتوتهم في إسلام فرنسي محتوى في دستور فرنسا ومؤسساتها، وبذلك تندمج الجالية المسلمة في فرنسا في حضارة فرنسا ويزول "خطر" الإسلام الحقيقي الذي يهدد فرنسا وباقي دول أوروبا في القارة. وبذلك يتحول الدين الإسلامي في أوروبا إلى دين روحاني يقتصر على علاقة مسلمي فرنسا بربهم في بعض المسائل الفردية. وليس له أي علاقة بأمتهم أو حياتهم خارج المساجد. وبهذا تتحول العقيدة الإسلامية إلى عقيدة كهنوتية روحية تماما كما هي الديانة النصرانية.
إن دول الغرب أدركت حقيقة تنامي أعداد المسلمين لديها وأنها لا تستطيع إيقاف هذا التنامي، كما أن هذه الدول الغربية أدركت حقيقة أخرى وهي شدة حب المسلمين للإسلام وعدم تخليهم عنه أينما حلوا أو ارتحلوا. ولذا راحت هذه الدول تبحث عن طرق ووسائل تستطيع من خلالها دمج المسلمين في ثقافة دولها بغية فصلهم عن الإسلام الحقيقي الذي يربطهم بأمتهم خارج أوروبا وبغية احتوائهم واستخدام طاقاتهم وقدراتهم لصالح الدولة التي يعيشون فيها. فبعد أن يئست دول أوروبا في إقناع المسلمين بترك دينهم باتت تعمل منذ زمن على دمجهم وتذويبهم في ثقافة وحضارة الكفر، ليكون مسلم فرنسا ليس له علاقة بمسلم فلسطين ولا العراق ولا سوريا ولا أفغانستان وهكذا..
وهنا ينبغي التذكير بأمر مهم للغاية في هذا الصدد وهو أننا نحن المسلمين لا نقبل ولا نرتضي أي دين غير دين الإسلام الذي نزل على نبينا محمد r والذي هو مبدأ لكل شؤون الحياة يناقض المبدأ الرأسمالي في عقيدته وسائر قواعده. فلا نقبل بدين جديد مفبرك اسمه (إسلام فرنسي وإسلام أمريكي وإسلام بريطاني). إسلام يطبخه لنا الساسة الفرنسيون والأمريكيون والإنجليز ويقدمونه لنا كالسم الزعاف. فالحذر الحذر والتمسك بدين محمد أيها المسلمون. قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإسلام﴾. واحذروا أيها المسلمون في أوروبا عامة وفي فرنسا خاصة أن تتبعوا (الإسلام الفرنسي) فينطبق عليكم قول الله تعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 85-86]
رأيك في الموضوع