أعلن ولي العهد السعودي رؤيته لما يجب أن يكون عليه حال المملكة عام 2030، وقد وصفها ملك السعودية بأنها رؤية شجاعة، كما وصفها محمد بن راشد أمير دبي بأنها خطة طموحة. وقد بين مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أن رؤية السعودية 2030، ترتكز على ثلاثة محاور أساسية، هي العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وتسعى السعودية إلى رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى ما يزيد على 7 تريليونات ريال سعودي. وتحدثت الرؤية عن تحويل شركة النفط الكبرى في العالم "الشركة السعودية أرامكو" للاكتتاب العام. وتعرضت الرؤية إلى قضايا كثيرة منها رفع الصادرات غير النفطية إلى 50% من قيمة الصادرات السعودية، والتوسع في خدمات العمرة والحج، والتنمية الحضرية، وتنمية الموارد البشرية، وتنويع مصادر الطاقة وغيرها.
وقد حظيت هذه الرؤية بردود فعل كثيرة على المستوى المحلي والعالمي، واعتبرها بعض المراقبين فرصة لتهيئة ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي عقد مؤتمرا صحفيا للإعلان عن الرؤية.
ومن أجل إلقاء الضوء على هذه المبادرة، نعرض للأمور التالية:
أولا: لا تزال السعودية تتحدث عن خطط تنمية في جميع المجالات. ومن المعروف أن الدول الاستعمارية هي التي فرضت ما يسمى خطط التنمية على الدول المستعمَرة، وهي التي أطلقت على دول العالم الثالث وأسمتها بالدول النامية، والتي لا تزال تنمو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية! فعملية التنمية، وخطط التنمية، والنمو الدائم ما هي إلا سياسة خبيثة للحيلولة بين الدول المستعمَرة والنامية من الوصول إلى مصاف الدول الأولى أو حتى الثانية في العالم. فالدول الأوروبية مثلا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا ومن ورائها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا لا تتعامل مع اقتصادها ضمن ما يسمى خطط تنمية، ونمو مستمر ودائم. فلا يعقل أن تبقى الدول النامية نامية إلى الأبد، إذ لا بد أن يصل النمو إلى درجة الريعان والقوة. فالسعودية التي تتمتع بدخل عال، وتملك صناديق استثمارية تقرب من الترليون دولار، لا تزال دولة نامية. ولا تزال رؤية ولي العهد تنظر للسعودية على أنها نامية. ولم يتمكن من رؤية السعودية دولة خارج إطار الدول النامية.
ثانيا: لم تتطرق رؤية الأمير إلى أي نظرة تتعلق بمستقبل الإسلام في المنطقة، من حيث نشوء دولة خلافة على منهاج النبوة، وأن تجد السعودية لها موقعا مهما في هذا الإطار. ومثلها لم تتحدث الرؤية عن مستقبل المنطقة خاصة فيما يتعلق بدولة يهود علما بأن أحد محاور الرؤية كان العمق العربي الإسلامي.
ثالثا: من أخطر ما ورد في الرؤية هو تحويل شركة أرامكو وفتحها للاكتتاب العام، ما يعني أن نظرة السعودية للمستقبل تحوي فتح المؤسسات السيادية وأهمها النفط ليكون مشاعا لمن يدفع الثمن. وهذا بدلا من النظرة العميقة المستنيرة التي تقتضي تحويل أرامكو وكل منشآت النفط إلى ملكية عامة للمسلمين باعتبارها من النار الذي ورد في حديث رسول الله e «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار». فقد كان أحرى بالأمير أن يرى النفط بكافة منشآته ملكية عامة للمسلمين وأن يحررها كاملة من سلطة أمريكا وشركاتها ذات الامتيازات الضخمة في السعودية.
رابعا: من الملاحظ أن الرؤية السعودية تم الإعلان عنها بعد زيارة أوباما للسعودية. وهذا يؤكد أن زيارة أوباما كان من أحد أهدافها التأكيد على أن تبعية السعودية لأمريكا ستكون من خلال عمل مؤسسي لا يعتمد على شخصية الملك وميوله فحسب، بل ستكون السعودية تابعة لأمريكا بمؤسساتها وبرامجها. فقد تحدثت الرؤية عن استحداث برامج مؤسسية دائمة لتطوير القوى البشرية والأعمال اللوجستية والتطوير الحضري وغيرها.
خامسا: إن الرؤية السعودية جاءت تتحدث عن طموحات وشعارات وغايات. وهي تشبه أحلام اليقظة. حيث إن الغايات المحددة تحتاج إلى استراتيجيات وخطط ووسائل وأساليب ودراسات معمقة لتحقيقها. ومثل هذه الدراسات لا تصلح لأمد بعيد يصل إلى 15 سنة. وجدير بالذكر أن أحد أسباب فشل الاتحاد السوفياتي السابق في بناء اقتصاد متطور هو الخطط الخمسية التي كان يتبعها. وفي المقابل لا تستعمل أمريكا على سبيل المثال الخطط الخمسية أو الثلاثية وغيرها. وبالتالي فإن خطة الخمس عشرة سنة السعودية ليست طموحة كما سماها محمد بن راشد، بل هي خيالية. حيث إن الظروف السياسية والاقتصادية العالمية لا يمكن أن تبقى على حالها طوال هذه المدة، كما لا يمكن تصور الحال الذي سيكون عليه العالم سياسيا واقتصاديا خلال هذه الفترة.
سادسا: لقد شهد العالم العربي خلال الخمس سنين الماضية ثورات عارمة عصفت بأعتى حكام العرب مثل القذافي ومبارك وعلي صالح وزين العابدين، وها هي تكاد تأتي على بشار، ولم تنته بعد. فحكام المملكات والإمارات في المنطقة ليسوا بمنأى عن هذه الثورات وتبعاتها. وبالتالي فإن رؤية الأمير السعودي ينقصها الرؤية لما حول الأحداث. وهذا ليس مستغربا، إذ إن النظر للأحداث وما حولها يقتضي الاستنارة في طريقة التفكير، وهو أمر قد غيب عن الشعوب قسرا وقهرا خلال العقود الماضية ولم يسلم من هذا التغييب حتى الأمراء الذين ساهموا في تغييبه.
وأخيرا كم كان مثلجا للصدر ومبهجا للنفس لو أن رؤية الأمير اتسقت مع وعد الله للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين والأمن، أو بالنصر على أعداء الأمة في فلسطين وتحرير الأقصى، وتتبير ما علت دولة يهود تتبيرا، أو إظهار دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون. نعم إن هذه هي الرؤية التي يتوق لها كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر. رؤية فيها استقلال تام وإرادة مطلقة وسياسة شرعية حكيمة وتحكيم لشرع الله ونبذ لأمريكا وبريطانيا وطرد لليهود وإعلاء لكلمة الله، وليس فتح اكتتاب لأرامكو، أو زيادة حجم أموال المسلمين المستثمرة في سندات الحكومة الأمريكية تحت مسمى الأموال السيادية!
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾
رأيك في الموضوع