خلال مؤتمر باجواش في قطر، حاولت طالبان إلى جانب الحكومة الأفغانية إبراز صورة سياسية جديدة للمجتمع الدولي؛ فقد التزمت "إمارة" طالبان الإسلامية باحترام حرية التعبير وحقوق المرأة وإقامة علاقات حسنة مع دول الجوار ومع المجتمع الدولي على أساس الاحترام المتبادل. وأيضا وافقوا على احترام منظمة الأمم المتحدة الكافرة، والمؤتمر الإسلامي والقانون الدولي "بما لا يتعارض مع القيم الإسلامية والوطنية" بحسب رؤيتهم. وعلاوة على ذلك فقد ادعوا حماية المدنيين وكذلك المؤسسات العامة والمنظمات الوطنية.
كما تعهدت إمارة طالبان الإسلامية بعدم الإضرار بالدول والشعوب الأخرى، وبأنها لن تسمح لأحد باستغلال أفغانستان لمصلحته الخاصة. وقد طالبت طالبان بتحقيق مجموعة من الأمور منها: الحصول على مكتب أو عنوان محدد، وإزالة أسماء أعضائها من القائمة السوداء، والإفراج عن أعضائها من السجون، ووقف ترويج الدعايات المسمومة ضدهم من قبل وسائل الإعلام.
وكانت طالبان قد أكدت سابقا أن السلام لا يمكن أن يتحقق ما لم تغادر القوات الأمريكية أفغانستان، وبأنها لا تتفاوض مع الحكومة الدمية لأمريكا. ولهذا السبب فإن طالبان تحت قيادة الملا محمد عمر وللمرة الأولى عام 2010 كانت مستعدة لمناقشة القضية مع أمريكا، حيث شهدنا سلسلة من المحاولات لبناء ثقة متبادلة، ولكنهم تخلوا تدريجيا عن أهدافهم المقررة.
وخلال تلك العملية أعلنت الولايات المتحدة وحلف الناتو شروطا مبدئية تتمثل في وجوب انفصال المجاهدين عن القاعدة، واحترام الدستور العلماني الأفغاني، ووضع سلاحهم. لذلك عقدت طالبان لأول مرة محادثات مباشرة مع الحكومة الأفغانية في ماري في باكستان، ولكن خلال ذلك اللقاء قامت الحكومة الأفغانية بكشف وفاة زعيم طالبان، ونتيجة لذلك نشأت خلافات داخل طالبان حول البيعة، وانقسمت إلى مجموعات مختلفة، ما أدى إلى توقف عملية السلام بشكل تام.
بالإضافة إلى ذلك أنشأت الولايات المتحدة والصين وباكستان وأفغانستان في مؤتمر "قلب آسيا" لجنة تنسيق رباعية لبدء عملية السلام مع طالبان، وعقدوا على إثرها ثلاثة اجتماعات في إسلام أباد وكابول للبحث عن السبل المناسبة لإجراء محادثات مع طالبان، وفي كل مرة كانوا يدعون طالبان لمناقشة عملية السلام مع الحكومة الأفغانية، إلا أن طالبان لا تزال تقاطع هذه العملية. وبخلاف هذه المحاولة، فإن منظمة باجواش الدولية عقدت اجتماعا مع بعض الأفغان المؤثرين ومسؤولين من طالبان تتعلق بعملية السلام في قطر بغياب رسمي أفغاني. وبالتالي يبدو أن محادثات السلام غير المباشرة تلك تشبه الحرب غير المباشرة ضد الأمة الإسلامية.
فبحسب عملية السلام والشروط المقدمة، يبدو أن طالبان بدأت تتخلى تدريجيا عن موقفها السابق ضد الغزاة والمستعمرين، وهذا في الحقيقة خيانة سافرة لدماء الشهداء ودموع الأيتام والثكالى. لا بد أن يكون واضحا أن المفاوضات يمكن أن تؤتي نتائج فعالة فقط إذا كانت هناك دولة قوية وجيش قوي يقف خلفها، وهذا الجيش القوي ليس وراء طالبان، بل يقف خلف الولايات المتحدة والناتو. والحقيقة هي أن الكفار إذا لم تتحقق مصالحهم من خلال عملية السلام، فإنهم بكل تأكيد سيسعون للحصول عليها من خلال الحرب.
ومن الجدير ذكره أن الإمارة الإسلامية كانت دولة وطنية منذ إنشائها أول مرة، ولكن بيعة المجاهدين في أنحاء العالم لأميرها الملا محمد عمر، وأحداث الحادي عشر من أيلول 2001، والدعاية الأمريكية ضدهم، قدّمت للعالم صورة وهمية لتلك الإمارة. فهي قد أقامت علاقات وطنية ودبلوماسية متبادلة مع باكستان والإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية، إلى جانب إرسال سفير رسمي لها في الأمم المتحدة. كل تلك الأمور هي أسباب كافية لعدم اعتبار إمارة طالبان دولة إسلامية من ناحية شرعية. وفي الحقيقة فإن التزامهم كان ظاهرا منذ البداية فيما يتعلق باحترام الأفكار غير الشرعية مثل حرية التعبير وحقوق المرأة، وإقامة علاقات مع دول الكفر، ومنظمة الأمم المتحدة الكافرة، والمؤتمر الإسلامي وغيرها...
وينبغي الإشارة إلى أن الجهل السياسي لطالبان وعاطفة أسامة بن لادن رحمه الله، القوية تجاه الحملة العسكرية قد تم استغلالهما من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو في الحرب التي أعلنوها ضد المسلمين. وللأسف، وعلى الرغم من تضحيات المجاهدين في أفغانستان، فإن طالبان قد انحدرت في موقفها بمطالبها والتزاماتها التي لا تختلف عن الحكومات العميلة الظالمة مثل أفغانستان وباكستان والسعودية. وعلاوة على ذلك فإن الأمة الإسلامية اليوم بمن فيها حركة طالبان ليسوا مخولين باتخاذ موقف ضد الكفار كما فعل الرسول محمد e في صلح الحديبية مع قريش. بل إن حالهم يشبه موقفه عليه الصلاة والسلام حين قدمت له العروض الكبيرة مقابل أن يتخلى عن الدعوة إلى الإسلام في الفترة المكية؛ فلم يرفض الرسول e تلك العروض فحسب، بل لقد أصر على دعوته إلى الإسلام أو يهلك دون ذلك.
نأمل أن لا ينخدع المسلحون فيسقطوا في أيدي الكفار بذريعة السلام!
رأيك في الموضوع