لقد دأب في الآونة الأخيرة الكثير من المسؤولين الدوليين - لا سيما الأمريكيين منهم - على الحديث عن ضرورة إيجاد قوات برية لقتال تنظيم الدولة، باعتبار أنّ الضربات الجوية التي تقوم بها قوات التحالف بقيادة أمريكية لا تكفي لهزيمة التنظيم، وقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي صراحة عن قوات سورية وعربية للاشتراك في محاربة التنظيم، وما قد يُطرح في هذا الصدد من أسئلة هي: هل تُخطّط أمريكا لتشكيل قوات برّية من دول عربية ومحلية وإقليمية للتدخل في سوريا بذريعة محاربة الإرهاب؟ وهل تُنسّق أمريكا ذلك مع القوى العظمى الأخرى؟ وما هي الأهداف الحقيقية لهذا التدخل؟
لقد بدأت بالفعل بوادر القوات البرية بالتشكل في سوريا والعراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، فقد دخل فوج تركي قوامه أكثر من مائة وثلاثين جندياً شمال الموصل في العراق، مصحوباً بثلاثين دبّابة، وعديد من العتاد العسكري.
وتشكّل خليط من القوات البرية من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومن عشائر سنية تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية في منطقة الحسكة شمال شرق سوريا، وذلك للتحضير للهجوم على مدينة الرقة عاصمة تنظيم الدولة في سوريا.
كما تمّ رفد تنظيم الجبهة الجنوبية (المحسوب على الجيش الحر) بالمزيد من الرجال والسلاح، وهذه الجبهة هي التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون بأنّها من أهم القوات البرية التي ستعتمد عليها القوات البريطانية الجوية في ضرب تنظيم الدولة، وهي الآن بصدد توسيع نفوذها في جنوب سوريا بدعمٍ من الأردن.
كما استدعت تركيا قوات سورية تركمانية، وقوات من أحرار الشام، وقوات أخرى من المعارضة للتهيؤ لقتال تنظيم الدولة شمال مدينة حلب.
وما زالت أمريكا تُصرّ على ضرورة قيام المعارضة بمقاتلة تنظيم الدولة أولاً، وتُطالب بنوع من التعاون والهدن بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية.
وبدأت القوى الدولية الأخرى بتبني نفس الهدف، وكان آخر هذه القوى فرنسا التي طالب وزير خارجيتها بإقرار الرئيس بشار الأسد في السلطة لما بعد الفترة الانتقالية، وإشراك قوات الأسد مع قوات المعارضة في قتال تنظيم الدولة.
إنّ هذه التحركات البرية المتسارعة تتزامن مع ازدحام الأجواء السورية بالطائرات الأمريكية والروسية والفرنسية والبريطانية، وفي ذلك نوع من السير في طريق بسط النفوذ لتلك الدول على المناطق السورية، بعد التخلص من وجود تنظيم الدولة.
فأمريكا هي التي جلبت دول العالم إلى سوريا - لا سيما الكبرى منها - لتبدأ من هناك إعادة رسم العلاقات الدولية من جديد، وإعادة تشكيل موقف دولي جديد بقيادتها، لأنّها بحاجة إلى تلك الدول لكسر شوكة أهل الشام المطالبين بالمشروع الإسلامي وبدولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.
وقد اتفقت الدول الكبرى على تكليف الأردن بتصنيف التنظيمات الإرهابية ثمّ عرضها على الأمم المتحدة، وكُلّفت السعودية باستضافة تلك القوى، لتحضيرها، وترتيبها، ومن ثمّ للدخول في معركة شاملة مع تنظيم الدولة قبل الدخول في حرب مع النظام، وهذا ما أصرت عليه أمريكا منذ زمن بعيد.
ستخوض القوى الكبرى منتصف هذا الشهر مفاوضات شاقة في أمريكا لاستكمال مؤتمر جنيف3، وستتركّز تلك المفاوضات حول قوى المعارضة المؤهلة للاستخدام في محاربة تنظيم الدولة، وستسعى القوى الكبرى والإقليمية المشارِكة في الاجتماع للعمل على دمج بعض الفصائل الإسلامية ضمن قائمة القوى المقبولة دولياً - لا سيما الجبهة الإسلامية وحركة أحرار الشام - ضمن القوات البرية التي ستُستخدم في محاربة تنظيم الدولة.
إنّ إشغال التنظيمات المسلحة في المعارضة السورية بقتال تنظيم الدولة هو هدف مهم لدى أمريكا تسعى لتحقيقه منذ زمن بعيد، وذلك للحفاظ على بشار الأسد في السلطة ريثما تجد البديل المناسب.
تتجه الاستراتيجية الأمريكية في سوريا باتجاه منح الأكراد السيطرة على المناطق الشمالية الشرقية، لذلك منعت أمريكا الأتراك من المس بهم، واستثمرت الأزمة الروسية التركية من أجل إبعاد تركيا عن تلك المناطق، وقام الطيران الأمريكي بدور فعّال في حمايتهم من تنظيم الدولة.
أمّا بالنسبة لمنطقة الساحل فهي في نظر أمريكا مضمونة للنصيريين، وتستخدم أمريكا الروس في تثبيتها لهم، ويُحاول الروس من جهتهم، ومعهم الإيرانيون، إضافة العاصمة دمشق وحمص وما بينهما وبين الساحل من أراضٍ لتكوين ما يُسمّى بسوريا المفيدة، لتكون كل هذه المناطق بيد النصيريين والشيعة، لكن أمريكا لم تحسم ذلك بعد، فيما تترك المناطق الداخلية والجنوبية والشرقية من سوريا للسنّة، ثمّ تقوم بربط كل تلك المناطق بنظام كونفدرالي مرن تابع لأمريكا فيه قابلية للانقسام في أي وقت.
وهذه الخطط الأمريكية تحتاج لتنفيذها إلى قوات برية، كما تحتاج إلى وجود القوى الكبرى لمساندتها، ومساعدتها.
لكنّ الأمور في سوريا لا تسير وفق ما تشتهي أمريكا، فالحاضنة الشعبية الإسلامية في سوريا أقوى من أن تُمرّر أمريكا عليها المؤامرة، فلن تسمح لأمريكا ولا لشركائها الدوليين بتمزيق سوريا مذهبياً وقومياً، ولن تقبل بأقل من دولة إسلامية حقيقية تطرد أمريكا، ومن معها من الدول الكبرى المستعمرة والحاقدة، من بلاد الشام طرداً كلياً.
رأيك في الموضوع