استضافت تركيا يوم 14/12/2017 "اجتماعا أمنيا" ضم رئيس أركانها خلوصي أكار، ونظيره العراقي عثمان الغانمي، وقائد القوات الأمريكية في أوروبا كوتيس سكاباروتي، وقائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي جوزيف فوتيل.
وأفاد بيان صادر عن رئاسة الأركان التركية، بأن الاجتماع انعقد في مقر رئاسة الأركان بأنقرة، وبحث الأوضاع الأمنية في المنطقة وعلى رأسها سوريا والعراق... وتناول الاجتماع أيضا التدابير اللازمة لمكافحة "المنظمات الإرهابية".
وذكرت جريدة "الحريات التركية" أن آكار أكد "ضرورة إخراج حزب العمال الكردستاني من العراق، وقدم معلومات عن الهجمات الجوية على مواقع الحزب في منطقة أسوس على الحدود العراقية الإيرانية" وأعرب عن "قلقه للتعاون بين الحكومة العراقية ووحدات حماية الشعب الكردية لطرد تنظيم الدولة"، ولكن "العراق طرح موضوع الوجود العسكري التركي على أراضيه في بعشيقة" فقال آكار "إنما ذلك لمحاربة (الإرهاب)، ولا يخل بوحدة الأراضي العراقية" مطالبا "الجانب الأمريكي بسحب الأسلحة التي قدمها للحزب الوطني الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية"، وأكد "ضرورة تصفيتهما من منطقة عفرين، وأن كل العناصر التي تهدد أمن الحدود التركية ستكون هدفا لقواته، وقدم معلومات عن أنشطة قواته في منطقة خفض التصعيد بإدلب".
من هنا يرى المتابع كيف تدور تركيا في فلك أمريكا، حيث يقدم رئيس الأركان التركي مطالبه للأمريكان وتقريره عن أنشطة قواته في إدلب في محاولة للقضاء على الثورة السورية تحت مسمى خفض التصعيد. ويطلب من أمريكا السماح لتركيا بمواصلة محاربة الحزب الكردستاني في العراق. وهناك مشكلة بين تركيا والعراق تثار وتخمد، وهي الوجود العسكري التركي في العراق، وهو وجود تم بموافقة العراق، ولكن الأخيرة تثيره لأهداف سياسية، وتسكت عنه عند الحاجة كما حصل في المدة الأخيرة عندما دعمت تركيا العراق في حربها ضد تنظيم الدولة تحت قيادة أمريكية. وقد أوعزت أمريكا لتركيا دخول إدلب ولم تسمح لها بدخول عفرين، فتطالب تركيا بدخولها، وكذلك تطالبها بسحب الأسلحة التي قدمتها لقوات سوريا الديمقراطية التي تضم وحدات الحماية الكردية وحزبها الديمقراطي حيث ترى تركيا فيهما تهديدا لأمنها بسبب ارتباطهما بحزب العمال الكردستاني. ولكن أمريكا ترفض ذلك حتى تعزز وجودها في المناطق التي تسيطر عليها هذه الوحدات، حيث كشفت صحيفة واشنطن بوست يوم 24/11/2017 أن "أمريكا لا تنوي سحب قواتها من سوريا حتى بعد القضاء على تنظيم الدولة بالكامل" ونقلت رويترز يوم 25/11/2017 عن مسؤولين أمريكيين أن "البنتاغون سيعلن عن وجود أكثر من ألفي جندي أمريكي في سوريا، وقد أعلن عن وجود 5262 جندياً أمريكياً في العراق". وكانت تركيا قد دخلت سوريا بأوامر أمريكية باسم عملية درع الفرات يوم 24/8/2016 عندما كان نائب الرئيس الأمريكي السابق بايدن في أنقرة ولم تمس الوحدات الكردية، وإنما عملت على إخماد الثورة في تلك المنطقة لحساب أمريكا وتعزيز موقف النظام السوري الإجرامي.
ويأتي اجتماع أنقرة بعد إعلان روسيا أنها ستسحب قواتها من سوريا، وكذلك بعد بدء أمريكا بتقليص الدور الذي أعطته لإيران وحزبها اللبناني هناك، فتأتي لتركز على الدور التركي الذي كان له التأثير الأكبر في خداع الثوار وإلحاق الهزائم بهم وخاصة تسليم حلب للنظام الإجرامي، فتولي أمريكا أهمية لدور تركيا وخاصة رئيسها أردوغان الذي لديه قدرة على خداع البسطاء من الناس بأساليبه الخبيثة، حيث يثير المشاعر ويتكلم كلاما كبيرا خادعا ينطلي على السذج وهو ينفذ ما تريده أمريكا، فقد خدع أهل سوريا قائلا لن نسمح بحماة ثانية ولكنه لم يفعل شيئا، بل ضغط على الثوار ليستسلموا للخطط الأمريكية. والآن يخادع أهل فلسطين قائلا "القدس خط أحمر"، وينتقد أمريكا لاعترافها بالقدس عاصمة لكيان يهود، في الوقت الذي يستضيف القادة الأمريكيين بأنقرة لينفذ أوامرهم في حربهم القذرة التي يقودونها في المنطقة ليحولوا دون تحرر الأمة من الاستعمار. ورأينا خداعه بالدعوة لعقد مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي (!) وخطابه أمامها وكأنه ضد كيان يهود وضد أمريكا في الوقت الذي يصر على تطبيق "حل الدولتين" الأمريكي الذي يقر اغتصاب يهود لغربي القدس وأغلب أرض فلسطين، فيشرعن كيان يهود باغتصابه القسم الأكبر من فلسطين، ويعزز علاقة نظامه العلماني بالكيان المغتصب. فلو كان صادقا لقطع كل العلاقات بكيان يهود وسحب الاعتراف التركي بهذا الكيان، ولرفض حل الدولتين، وأعلن أن الحل هو الجهاد، وأعد العدة للقيام بهذا الفرض العظيم، ولكنه كاذب كاذب، وخائن خائن كغيره من حكام البلاد الإسلامية الذين ينادون بتطبيق الحل الأمريكي الذي يركز اغتصاب يهود لغربي القدس ولأغلب فلسطين ويركز الوجود الأمريكي الضامن لهذا الكيان.
ومن جانب آخر يظهر أن أمريكا تريد تفعيل الدور العراقي، حيث طالبت حكومة العراق بلعب دور في سوريا بذريعة محاربة تنظيم الدولة لتركيز النظام السوري العلماني التابع لأمريكا، حيث أشارت تركيا إلى تعاون العراق مع وحدات الحماية الكردية، ولا يتم ذلك إلا بإيعاز أمريكي حيث إن النظام العراقي مسير من قبل أمريكا ومربوط بمعاهدات أمنية معها. سيما وأن من سياستها عدم الاعتماد على عميل واحد.
ونقلت "دويتشه فيللي" الألمانية عن مصادر تركية أن "آكار أبدى ردة فعل تركيا على زيارة وفود بريطانية وفرنسية للمنطقة واجتماعها مع قوات سوريا الديمقراطية التي تهيمن عليها العناصر الكردية التابعة للحزب الوطني ووحدات الحماية الكردية". وردة الفعل هذه على تحركات بريطانيا وفرنسا لإيجاد موطئ قدم لهما هناك، لأن تركيا تدور في فلك أمريكا ولا تدور في فلك هاتين الدولتين، وتخشى من دورهما الذي يؤثر في داخل تركيا بدعمهما حزب العمال الكردستاني وحزب الشعب الجمهوري الموالي لبريطانيا واللذين يعملان لحسابها ضد حكومة أردوغان، فلم تعترض تركيا على أمريكا لتأسيسها ودعمها لتلك القوات الديمقراطية، ولكن تعترض على العناصر الكردية الانفصالية خوفا من أن يؤثر ذلك عليها، أما أن تعمل هذه القوات في سوريا وتحارب في سبيل أمريكا فلا تعترض عليه!
وهكذا أصبحت تركيا قاعدة ومطية لأمريكا، تنطلق منها لمنع تحرر الأمة من ربقة الاستعمار وتستخدمها في حربها القذرة على الأمة الإسلامية، وأصبحت وكرا للتآمرات الأمريكية ورئيسها أردوغان خادما خبيثا لها، وقادة جيوشها ينفذون أوامرها في المنطقة لحماية نفوذها واستعمارها. والأصل أن يكونوا وسيكونون بإذن الله قريبا حماة لأمتهم وسدا منيعا في وجه التدخل الأمريكي والغربي والروسي في المنطقة، وأهل نصرة للساعين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يعز فيها الترك والكرد والعرب والعجم. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
رأيك في الموضوع