بعد أحداث باريس المخيفة يوم الجمعة 13/11، حبس المسلمون في الغرب أنفاسهم متوقعين هجمات مضادة معروفة، عادةً ما تصاحب أي هجوم "إرهابي" على الأرض الأوروبية، وينشر السياسيون والإعلام هستيريا ضد الجالية الإسلامية ومعتقداتها وتزداد الإجراءات الحكومية لمكافحة الإرهاب التي من شأنها تهميش المسلمين وتشويه سمعتهم بالإضافة إلى النقد اللاذع والعنف ضد المسلمين من الحاقدين عليه. لم نكن مخطئين؛ فبعد خروج أخبار الهجوم بدأت لعبة الاتهامات، وأخذ السياسيون والإعلام بتشريح المعتقدات الإسلامية التي يحملها المسلمون في الغرب واتهموها (المعتقدات) بالمشاركة في أحداث باريس. كل هذا وضع المسلمين في خط إطلاق النار للأمن الصارم وصب الزيت على النار للكراهية ضد الإسلام التي تشتعل أصلاً بشكل كبير في المجتمعات الأوروبية.
في أعقاب الأحداث، أعلنت الحكومة الفرنسية حالة الطوارئ لثلاثة أشهر وأعطت القوات الأمنية صلاحيات أوسع لمداهمة البيوت والممتلكات الخاصة بدون الحصول على مذكرات تفتيش. وبحسب ياسر لواتي الناطق باسم التجمع ضد كراهية الإسلام في فرنسا، أنه كانت هناك حوالي 793 عملية دهم للشرطة على البيوت والمساجد والممتلكات الخاصة بما فيها محلات تجارية ومطاعم للمسلمين في فرنسا في أول 10 أيام بعد الهجمات، مما أشعل بيئة من الخوف لدى العائلات المسلمة العادية. وصاحب هذا أيضًا موجات من جرائم الكراهية ضد المسلمين في مدن مختلفة في فرنسا وانعكست على دول غربية أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا.
وقد وصف تقرير مؤخرًا تم تقديمه لجماعة تعمل على حالة الكراهية ضد الإسلام وتابعة للحكومة البريطانية، وصف أن زيادة بمقدار 300% في جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا قد طرأت عقب أحداث باريس بما فيها 115 هجومَ كراهيةٍ ضد الإسلام في الأسبوع الأول بعد الأحداث.
الجدير بالذكر أن الضحايا الرئيسيين لهجمات الكراهية ضد الإسلام في الدول الأوروبية هن النساء والفتيات المسلمات اللواتي يصنفن كأهداف بالنسبة للحاقدين نتيجة للباسهن الإسلامي. لقد واجهن سيلاً من الاعتداءات اللفظية صاحبها أحيانًا اعتداءات جسدية، وقد نص التقرير المذكور سابقًا أن الغالبية العظمى من الضحايا لموجة الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا في أعقاب هجمات باريس كن نساء وفتيات مسلمات تتراوح أعمارهن ما بين 14- 45 عاماً، وفي عدة حالات لم يتقدم أحد لمساعدتهن. بعض حالات الاعتداء تلك حظيت باهتمام الإعلام أو الجمهور، وفي مرسيليا بفرنسا تعرضت أخت مسلمة للضرب في الوجه وجرحت بسكين حادة تستعمل لقص الورق المقوى في صدرها عندما كانت تغادر محطة القطار الكهربائي. وفي متجر بمدينة غيفورز الفرنسية أيضًا أوقع رجل امرأة مسلمة أرضًا وقام برمي عربة تسوق فوقها بينما راقب المارة الحدث بدون تدخل. وفي لندن في بريطانيا دفع رجل امرأة مسلمة شابة في طريق قطار تحت أرضي (قطار الأنفاق)، وفي حالة أخرى دُفعت امرأة مسلمة وطفلها لمنتصف الشارع في طريق حركة السير. وفي نيويورك شتم موظف بريد حكومي نساء مسلمات مرتديات للحجاب ووصفهن بكلمات نابية أثناء وجودهن في متجر ووصفهن بالإرهابيات وقام بتهديدهن حيث كانت إحداهن تحمل طفلها. وفي كندا ضرب رجلان امرأةً مسلمةً عندما قامت باصطحاب أبنائها للبيت قادمين من المدرسة حيث قام أحدهما بضربها في معدتها بينما مزق الآخر حجابها.
مما لا شك فيه أن هذه الهجمات والمستويات العالية من كراهية الإسلام التي تعاني منها المجتمعات الغربية قد أوجدت حالة من الخوف في صفوف النساء المسلمات في الغرب مما دعا العديد منهن إلى عدم القيام بنشاطات الحياة اليومية مثل الذهاب إلى العمل أو أخذ الأطفال إلى المدارس أو التسوق أو التنقل بالقطارات والباصات. إنهن يدركن تمامًا أن لباسهن الإسلامي يجعلهن أهدافًا سهلةً للعنصريين والحاقدين على الإسلام. بالإضافة لهذا فإن تزايد خطاب الكراهية ضد الأجانب من قبل السياسيين الذين يبحثون عن الفرص، والقصص المثيرة ضد الإسلام في الإعلام، والسياسات الحكومية لمكافحة الإرهاب والمناهضة للإسلام التي تربط باستمرار المعتقدات السياسية أو الاجتماعية الإسلامية مع التطرف والإرهاب، كل هذه الأمور وضعت ضغطًا هائلاً على النساء المسلمات للتخلي عن بعض القيم والممارسات الإسلامية.
هذه أوقات امتحان واختبار لدين النساء المسلمات في الغرب. ولكن بالنسبة للمؤمنات اللواتي يحببن ربهن وينصعن لأوامره، فإن هذه الاختبارات لا مفر منها بقول الحق سبحانه وتعالى ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُترَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعلَمَنَّ ٱلكَـٰذِبِينَ﴾.
هذه الأيام المظلمة تذكرنا بحديث رسول الله eلصحابته رضي الله عنهم «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ«.
من هنا فإن قمنا بصفتنا نساء مسلمات بالالتزام بأوامر الله عز وجل بصبر وثبات وشجاعة بالرغم من الضغوطات التي تمارس علينا، فإن نعيم الجنة أمر عظيم. هيا لنقتدي بالنساء المؤمنات العظيمات في الماضي من أمثال آسيا زوجة فرعون. لقد عاشت في وسط الكفر وواجهت بدون راحة بيئةً من الخوف والتهديد بسبب عبادتها لربها. ولكن قوتها كانت نابعة من نظرتها المستمرة لنعيم الجنة الذي لا يوصف ودفعها للنظر خلف تلك الصعوبات المؤقتة لهذه الحياة وللتمسك بإيمانها بإرادة حديدية. وقد قال عنها رسول الله eأنها من أفضل نساء الجنة.
رأيك في الموضوع