تأسست هيئة الأمم المتحدة في عام 1945م بعد التوقيع على ميثاق تأسيسها في مؤتمر سان فرانسيسكو، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات بين تشرشل وروزفلت الذي تنسب إليه بعض المصادر أنه أول من استخدم مصطلح الأمم المتحدة عام 1942، هذه اللقاءات نتج عنها لاحقاً مؤتمر بريتون وودز عام 1944 الذي نتج عنه تأسيس صندوق النقد والبنك الدولي لضبط ما سمي آنذاك الفوضى المالية بعد الحرب، والذي ألحق لهيئة الأمم المتحدة لاحقا بعد تأسيسها لتكتمل القبضة السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي بعد الحرب.
ومنذ البدايات قامت الدول التي خرجت منتصرة من الحرب وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وروسيا والصين ثم ضموا إليهم فرنسا بإعطاء أنفسهم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن (قلب هذه المنظمة ومصدر قوتها) والذي تشكل هذه الدول عضويته الدائمة بالإضافة لخمسة أعضاء آخرين ينتخبونهم من باقي الأعضاء، ورفع العدد لاحقا لعشر دول بحيث يصبح عدد أعضاء المجلس خمس عشرة دولة، فأصبحت الأمم المتحدة منبراً لتقاسم الهيمنة والنفوذ العالمي، وأداة لفرض الوصاية والتسلط على حق الشعوب والدول.
والمتابع لتاريخ هذه المنظمة منذ تأسيسها وحتى الوقت الراهن لا يستطيع إلا أن يرى وبكل وضوح أنها كانت وما زالت أداة ظلم وقهر بحق كل الشعوب المستضعفة وخاصة بلاد المسلمين لصالح الدول الكبرى ومشاريعها على مستوى العالم فقد أعطت جزءا من فلسطين لكيان يهود عام 1947 وبقرار دولي، واعترفت بكيان يهود المغتصب عام 1948، وكانت كل قراراته لخدمة وتثبيت هذا الكيان ليصبح مع الزمن ورما سرطانيا مفروضا على أهل البلاد وبمعاونة أنظمة صنعها الغرب.
وقامت أمريكا بغزو العراق وتدميره تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة وقبلها عاثت فسادا في إفريقيا في الكونغو كنشاسا تحت مظلة الأمم المتحدة في عام 1960م، وتكرر ذلك في الصومال، وفي رواندا عام 1994 حيث ذبح أكثر من 800 ألف من التوتسي خلال 100 يوم مع معرفة القوات التابعة للأمم المتحدة مسبقا بهذه المخططات، ولاحقا في سربرينيتشيا عام 1995 ذبح أكثر من 20 ألف مسلم على أيدي الصرب وفي المنطقة التي كانت تحت حماية قوات الأمم المتحدة.
وفي مقال نشر في الواشنطن تايمز الأمريكية رأى الكاتب ريني غارفنكل أن الأمم المتحدة ارتكبت جرائم على نطاق واسع من العالم تحت حماية الحصانة التي يتمتع بها العاملون فيها، متسائلاً هل الأمم المتحدة فوق القانون والمحاسبة؟!
واستعرض الكاتب بعض الحقائق المروعة، التي من بينها الاغتصاب، حيث تتعرض المئات من النساء والفتيات القاصرات للاغتصاب من قبل جنود الأمم المتحدة في البلدان التي مزقتها الحرب، ويعتدى عليهن من قبل الأشخاص الذين أُرسِلوا لتوفير السلامة والأمن لهن، وأيضاً فقد أقرت الأمم المتحدة لأول مرة بدورها في تفشي وباء الكوليرا في هايتي عام 2010، الذي أدى إلى وفاة نحو عشرة آلاف شخص حيث لعبت الأمم المتحدة دورا في جلب الكوليرا إلى هايتي، إثر الزلزال الذي وقع هناك عام 2010 وتم في أعقابه إرسال أفراد قوات حفظ سلام - بدون فحصهم أو علاجهم - من نيبال المعروفة بتفشي الكوليرا ليصاب بالمرض لاحقا أكثر من 650 ألف شخص.
ويوم الاثنين 29 آب/أغسطس 2016 أوردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا حول برنامج المساعدات الإغاثية التي تقدمها الأمم المتحدة والمقدرة بعشرات ملايين الدولارات والتي من المفترض أنها تعطى لمستحقيها من اللاجئين والنازحين والمتضررين في سوريا، تبين للغارديان أنها تذهب لأشخاص ومؤسسات قريبة من النظام السوري وعلى صلة وثيقة ببشار الأسد بمن فيهم زوجته أسماء الأسد وابن خاله رامي مخلوف على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أدرجتهم في قائمة العقوبات.
وقالت الصحيفة البريطانية إنها دققت في مئات العقود التي أبرمتها الأمم المتحدة منذ العام 2011 وبدء النزاع الذي أوقع أكثر من 290 ألف قتيل. وبحسب الصحيفة فإن العديد من هذه العقود وقعت على رغم فرض عقوبات أوروبية أو أمريكية على المستفيدين منها.
وقد وجهت العديد من المنظمات السورية والعاملة في المجال الإغاثي من طرف المعارضة، انتقادات للأمم المتحدة في سوريا وكيف أنها تلعب دورًا في بقاء النظام قويًا من خلال المساعدات المالية والعينية التي تقدمها لمؤسسات تتبع للنظام في المحصلة. وهو ما من شأنه أن يساعد النظام السوري في البقاء أكثر والتغول في القتل والتدمير الممنهج الذي يمارسه ضد المدنيين منذ اندلاع الثورة في العام 2011.
وفي المحصلة يبدو أن الأمم المتحدة (أو بشكل أدق من يديرها ويسيطر عليها) وهيئاتها العاملة في سوريا تساهم في استمرار وحشية النظام السوري بشكل مقصود، فبينما من المفترض أن تذهب الأموال للمحتاجين والمتضررين بسبب الصراع في مناطق عديدة في سوريا، تصب أموال الأمم المتحدة في خزينة النظام السوري لتساهم في تمويل الجيش السوري وآلته العسكرية مع ما يحويه ذلك من مليشيات ومرتزقة وغيرها.
لكل ذلك لا نجده غريبا ولا مستغربا هذا الإصرار العجيب من قبل دول وأنظمة البلاد العربية والإسلامية في اللجوء دائما لهذه المنظمة لحل قضايا المنطقة، لا بل إشراكها في كل مشاكل المنطقة والتي يمكن حتى حلها بسهولة بين الأطراف المختلفة، والحرص الشديد منهم على تنفيذ كل مقررات هذه المنظمة وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى في المناهج وسياسات التعليم، فهي التبعية والعمالة وشدة الولاء والحرص على خدمة الكافر ومخططاته التي تعمي هؤلاء وتدفعهم للتسابق على تقديم البلاد وثرواتها بل وتأجير الجيوش لهذه المنظمة خدمة لمصالح الغرب ودوله.
ومن ناحية أخرى فلا شرعية ولا حق في وجود مثل هذه المنظمة التي تنصب نفسها شرطيا على العالم وحامية لقيم الرأسمالية الغربية وأفكارها ورؤيتها حول كل القضايا العالمية، فهي لا ترى ولا تعترف بحق الدول الأخرى والثقافات الأخرى وإن كانت تدعي ذلك في بعض المجالات الثقافية والنظرية، أما إذا كانت هذه الثقافات والحضارات يمكن أن تطرح بديلا عمليا وراقيا للحضارة الرأسمالية وأفكارها، فالبند السابع في ميثاق الأمم المتحدة يمكن تفعيله ويمكن أن تتحرك الجيوش وآلة الحرب لحماية الرأسمالية ونفوذها.
والأصل في كل سياسي ذي عقل وبصيرة العمل على هدم هذه المؤسسة وتقويض بنيانها بكشف زيفها وفضح حقيقتها وإظهار ارتباطها العضوي والوثيق بمصالح الغرب الكافر وأنها أداة قمع وظلم تستخدم لخدمة الكافر والحفاظ على مصالحه، بل وإذلال وإخضاع دول العالم الأخرى كلها لهذا النظام الرأسمالي العفن والزائل لا محالة، فالظلام لا بد وأن ينقشع ونور الإسلام متمثلا بدولة الخلافة على منهاج النبوة قادم لا محالة وسينير الأرض كلها بعدله ورحمته. قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾
رأيك في الموضوع