أعلن الرئيس السوداني عمر البشير يوم الأربعاء الماضي، عن انتهاء أجل السلطة الإقليمية لدارفور، والدخول في مرحلة جديدة، واستكمال ما تبقى من عملية السلام، وجدد البشير منحه عفوا كاملاً لكل من يضع السلاح، ويكف عن القتال، في منطقتي النيل الأزرق، وجنوب كردفان، فضلاً عن ولايات دارفور، سواء أكانوا أفراداً أم تنظيمات، وقال: "من أراد السلام فنحن نمنحه عفواً كاملاً، ومن تمسك بحمل السلاح سيواجهنا في الميدان"، وجاء هذا الخطاب خلال مشاركته في احتفالات انتهاء أجل السلطة الإقليمية لدارفور، وإنجاز اتفاق الدوحة للسلام في مدينة الفاشر؛ عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك بحضور أمير قطر تميم بن حمد، والرئيس التشادي إدريس دبي، ورئيس أفريقيا الوسطى فوستان أكانج. وامتدح البشير قطر لرعايتها مفاوضات الدوحة لنحو ثلاثين شهراً، وصولاً إلى توقيع اتفاق السلام، الذي رأى أنه حقق الاستقرار في الإقليم، ونجح في تحقيق السلام، فضلاً عن دعمها اللامحدود في عملية تنمية دارفور. وأكد البشير أن انتهاء أجل السلطة الإقليمية لا يعني إيقاف التنمية في دارفور، مشدداً على أنها ستستمر لإعادة المنطقة إلى أفضل من حالها الأولى، معلناً عن مشروع دارفور الخضراء؛ باعتباره مشروعاً تنموياً مستقبلياً، وأوضح: "نحن لا نقول إننا نملك عصا موسى، لكننا نعد باستمرار التنمية، مجدداً التأكيد على انتهاء التمرد في دارفور، كاشفاً عن نية دولة جنوب السودان في طرد ما تبقى من حركات مسلحة تعمل ضد السودان من أراضيها.
إن الغرض الأساس من هذا الاحتفال هو إيصال رسالة قوية للحركات المسلحة، أنه لا خيار لهم إلا الدخول في وثيقة الدوحة، وقد فهمت الحركات المسلحة الرسالة، فقد شبه رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، مراسم انتهاء أجل السلطة الإقليمية لدارفور، بأنه احتفال بنهاية مأساة، وهاجم اتفاق الدوحة بشدة قائلاً: "إن الحكومة تعده كتاباً مقدساً على الرغم من أنه لا يشرف أحدا بالتوقيع عليه". ووصف جبريل في رسالة وجهها إلى النازحين، واللاجئين في المخيمات الاحتفال بأنه "مجرد لعب"، واعتبر الاحتفال ضرباً من المصالح الشخصية لمسؤولي السلطة الإقليمية التي يتزعمها التجاني السيسي، من دون تحقيق مصلحة للمتضررين من الحرب، ودلل على ذلك بوجود مئات الآلاف من النازحين في المخيمات.
لقد كانت وثيقة الدوحة للسلام في دارفور نسخة تشبه إلى حد كبير، اتفاقية السلام التي وقعت من قبل حكومة السودان مع متمردي الجنوب، والتي أدت إلى فصل جنوب السودان، فهي تهيئ إقليم دارفور للانفصال، فالمهندس واحد وهي أمريكا، التي هندست اتفاقية نيفاشا وفصلت بها الجنوب، فهي أيضاً مهندسة وثيقة الدوحة والغرض منها معلوم إلا لمن عميت بصائرهم، بل إن بعض البنود هي نفسها في الوثيقتين، فالحديث عن تقاسم السلطة، والثروة، وحقوق الإنسان، والحريات، وغير ذلك هو ذاته في الوثيقتين، فقد تحدثت وثيقة الدوحة عن تقاسم السلطة، فجاء في المادة (2)- (21): "لتقاسم السلطة أهمية بالغة لوحدة البلاد وأمنه واستقراره، ويمثل التداول السلمي للسلطة، وكذا الصلاحيات التنفيذية والتشريعية بالسبل الديمقراطية من خلال انتخابات حرة ونزيهة بوصفها ضمانة للاستقرار، وأساس الحكم الديمقراطي في السودان". أما فيما يتعلق بالثروة، فقد جاء في المادة (16)- (103): " تتفق الأطراف على إقامة نظام فعال لتوزيع الثروة يتسم بالشفافية ويخضع للمساءلة..."، بل إن هذه الاتفاقية أعطت أهل دارفور خصوصية، وبدأ الحديث عن شعب دارفور وكأنه مختلف عن بقية أهل السودان، ولأول مرة في تاريخ البلاد تعطى منطقة حق أن تختار نظامها الإداري من خلال صناديق الاقتراع، وهذا يعتبر تهيئة للإقليم لما هو قادم في المستقبل، والذي يؤكد بأنهم يسيرون في خطوات تؤدي في النهاية لعزل دارفور عن السودان كما حدث للجنوب، بالحديث عن الحدود، فكيف يتحدثون عن حدود لإقليم داخل البلد، فالأصل أن الدولة هي التي تحدد الحدود الإدارية وليس الناس! فقد جاء في المادة (2)- (30): "دون المساس بأحكام اتفاق السلام الشامل المتعلق بالحدود بين الشمال والجنوب، وأي اتفاقيات دولية سارية بين حكومة جمهورية السودان والبلدان المجاورة، تعود الحدود الشمالية لدارفور لما كانت عليه في يناير 1956م".
وبذلك يتضح كيف أن حكام السودان يسيرون في مخطط تفتيت البلاد؛ والذي تقوده رأس الشر أمريكا، فقد حققوا لها مرادها في الجنوب، فسال لعابها فطمعت في دارفور، وها هم ينفذون مخططها الرامي لفصل دارفور، ومن بعدها جنوب كردفان والنيل الأزرق والحبل على الجرار.
إن دارفور وغيرها من أقاليم السودان، ومن قبل جنوب السودان، لم تكن مشكلتهم في تقاسم الثروة والسلطة، أو الحريات الغربية، التي تتناقض مع عقيدة الأمة، وإنما أس المشكلة وأساسها هو سوء الرعاية، بل عدمها، من قبل الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ خروج الاستعمار بعساكره، وبقاء أنظمته، وأفكاره، ورجاله؛ الذين ينفذون له ما يريد. إن الحل يكمن في فكرة سياسية قادرة على إحسان الرعاية في بلد يزخر بالثروات والإمكانات، والرجال الرجال، وليس غير الإسلام؛ باعتبار أن أحكامه من رب العالمين، مبدأ يقدر على ذلك، في ظل دولته؛ دولة الخلافة، فهل يعمل أهل السودان عقولهم، وينفضوا أيديهم من مخططات أمريكا وغيرها، ويعملوا مع المخلصين لتخليص البلاد والعباد عبر الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع