شهدت العلاقات الإيرانية السعودية تدهورا واسعا بعد قيام السعودية بإعدام الشيخ نمر النمر وهو ناشط سعودي شيعي المذهب، وعملية إعدام النمر كانت من ضمن سلسلة إعدامات لـ47 ناشطا، أربعة منهم ينتمون للمذهب الشيعي والبقية ينتمون لتيارات سنية جهادية، وقد أعقب عملية إعدام النمر تعرض السفارة السعودية في طهران لأعمال نهب وحرق وتعرض القنصلية السعودية في مدينة مشهد للهجوم. وقد أعقب ذلك أيضا قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وأعطت كذلك الدبلوماسيين الإيرانيين مهلة ثمان وأربعين ساعة لمغادرة البلاد، وتتابعت الدول العربية على اتخاذ مواقف من إيران، فأعلنت البحرين والسودان وجيبوتي والصومال قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في حين استدعت كل من قطر والكويت سفيرها في طهران، وسلمت سفير إيران لديها مذكرة احتجاج، وأعلنت الإمارات خفض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، كما استدعت سفيرها في إيران، في حين أدانت مصر الاعتداء، واستدعت الأردن سفير إيران لديها، لإبلاغه بإدانتها الهجوم على السفارة السعودية، في حين أعربت سلطنة عُمان عن أسفها لما تعرض له مقر السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، وأدانت المغرب الهجوم الذي تعرضت له البعثات السعودية، أما تركيا وباكستان والعراق فقد عرضت كل منهم الوساطة بين البلدين لنزع فتيل الأزمة.
وتصاعد الأزمة بين البلدين قد يوهم أن إدارة أمريكا لعلاقاتها مع عميلتيها إيران والسعودية يمر بأزمة تؤثر على مصالح أمريكا، أو تعطل سيرها بمشاريعها في المنطقة، والحقيقة أنه على الرغم من حالة التوتر التي سادت بعد إقدام السعودية على إعدام ناشط شيعي مقرب من إيران إلا أن هذا لم يؤثر على سير أمريكا في مشاريعها ولم يؤثر على الدور الذي تقوم به كل من إيران والسعودية لخدمة مصالح أمريكا وتقوية نفوذها.
فأمريكا كانت على علم مسبق بعزم السعودية إعدام النمر، فقد صرح المتحدث باسم البيت الأبيض جون إيرنست "أن مسئولين أمريكيين أعربوا مؤخرا عن قلقهم لمسؤولين سعوديين إزاء الآثار السلبية المحتملة لتنفيذ إعدامات جماعية، بما فيها إعدام الشيخ النمر". وقال "القلق الذي عبرنا عنه سابقا للسعوديين، تأكدت صحته بالنظر إلى تبعات الإعدام"، فالسعودية أخذت الضوء الأخضر من أمريكا قبل إعدام النمر، وهي لا تقدم على هذه الخطوة أبدا دون أخذ الموافقة الأمريكية. والمدقق في ردود الأفعال الإيرانية يجد أن إيران رغم تنديدها بفعلة السعودية، وتعرض المقار الدبلوماسية السعودية لأضرار، إلا أن الظاهر إما أن القادة الإيرانيين كانوا على علم مسبق بما ستفعله السعودية أو أنهم استجابوا للطلب الأمريكي حيث قال إيرنست "لا يزال ينتابنا القلق بشأن حاجة الطرفين، الإيراني والسعودي، لنزع فتيل التصعيد في المواقف. نحث جميع الأطراف على التحلي بضبط النفس وعدم إشعال التوترات الملتهبة بالفعل في المنطقة" كما أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كان على اتصال بنظيره الإيراني، فيما اتصل مسؤولون دبلوماسيون أمريكيون بنظرائهم السعوديين لنقل مضامين الاتصال في أعقاب الأزمة، فسعت أمريكا لتطويق الأزمة وهذا ينسجم مع موقف تركيا وباكستان والعراق، أما عملاء بريطانيا في المنطقة فقد ظهر عليهم محاولة تأزيم الموقف بحذر.
وبالنظر إلى تصريحات القادة الإيرانيين نجد أن المرشد الأعلى علي خامنئي صرح في أعقاب الإعدام بقوله في خطاب في العاصمة أورده موقعه الإلكتروني الرسمي "مما لا شك فيه أن إراقة دم هذا الشهيد المظلوم من دون وجه حق سيؤثر بسرعة وأن الانتقام الإلهي سيطال الساسة السعوديين"، ولكنه لم يتطرق للسعودية أو لمقتل النمر بعد ذلك فقد قال موقع عربي 21 في 4/1/2016م بالإشارة إلى تقرير لوكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية "حذر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي الخامنئي، الولايات المتحدة الأمريكية من المس والتأثير على الانتخابات الإيرانية المقبلة، ودعا الشعب إلى التصدي للأهداف الأمريكية، وهاجم المعارضة التي تشكك في الانتخابات، كما تحاشى الحديث من قريب أو بعيد عن السعودية...وكان لافتا في التقرير الذي نشرته الوكالة الإيرانية، تجاهل الخامنئي الحديث عن التوتر الحاد بين إيران والسعودية بعد إعدام المملكة 47 شخصا من بينهم رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر". وكان لافتا بعد ذلك أن مواقف إيران الرسمية هي السعي لعدم التصعيد، بالرغم من وجود من ينفخ في كير الأزمة. فقد بعث محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الجمعة 8/1/2016م، طلب منه إيصالها إلى كل من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة قال فيها: "ليس لدينا أي رغبة في تصعيد التوتر في محيطنا".
أما لماذا سمحت أمريكا للسعودية بإعدام النمر فيبدو أن حكام السعودية الجدد الذين يدينون بالولاء التام لأمريكا يواجهون أزمة داخلية، ويحتاجون لتثبيت زعامتهم، فيكون إعدام النمر قرباناً لطمأنة حكام السعودية فيما يتعلق بملف المنطقة الشرقية الذي تملك فيه أمريكا أوراقا قوية من خلال إيران، وكفّ يد إيران يقوي عملاء أمريكا في السعودية. وفي تقرير لبلومبرج الأمريكية ذكرت فيه نقلا عن "طوبي ماتهسين" مؤلف دراسة "السعوديون الآخرون" قوله: إن "القرار موجه بشكل كبير إلى الجمهور المحلي"، مضيفًا "تنفيذ حكم الإعدام وخاصة في حالة النمر، نال شعبية كبيرة من جانب السعوديين فهي طريقة لحشد الناس حول العلم". كما رأى "روبرت جوردان" سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية أنه "ربما كان المقصود من الإعدام تعزيز موقف سلمان الأكثر حزمًا".
وعلى هذا فأمريكا تدير نار العداء بين إيران والسعودية بما يخدم مصالحها، حتى ولو استدعت مصالحها إلقاء بعض الوقود من الطرفين لإشعال النار لأن من يحترق في المحصلة هم أبناء المسلمين من الطرفين.
وستبقى أمريكا توقد هذه النار فتزيد من وتيرتها تارة وتخففها تارة أخرى حتى يأذن الله سبحانه وتعالى بنصره فتحترق أمريكا وعملاؤها بالنار التي كانت توقدها، وذلك عندما تعود الأمة الإسلامية أمة واحدة لا تتسمى إلا باسم الإسلام الذي سماها الله سبحانه به ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
رأيك في الموضوع