الملكية العامة في الإسلام، هي إذن الشارع للأمة بالاشتراك في الانتفاع بالعين، التي نص الشرع على أنها للرعية مشتركة بينهم، ومنع من أن يحوزها الفرد وحده، وهي ثلاثة أوصاف إذا توفرت في العين، جعلتها ملكية عامة:
أولا: ما هو من مرافق الجماعة، بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها. وقد بينها النبي ﷺ من حيث الصفة، لا من حيث العدد، في قوله ﷺ: «ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ» أخرجه ابن ماجه؛ لأنه ﷺ أباح الماء في الطائف وخيبر للأفراد في أن يمتلكوه. ومن إباحته ﷺ للأفراد امتلاك الماء، دلّ ذلك على أن المنع في الحديث ليس للماء من حيث هو ماء، وإنما هو لصفة الاحتياج، أي كونه من مرافق الجماعة، كمنابع المياه، ومراعي الماشية، وما شابه ذلك.
ثانيا: المعادن التي لا تنقطع، وهي غير محدودة المقدار، والتي لا يمكن أن تَنْفَد. عن أَبْيَض بن حَمَّال رضي الله عنه قال: «اسْتَقْطَعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَعْدِنَ المِلْحِ بِمَأْرِبَ فَأَقْطَعَنِيهُ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعِدِّ - يَعنِي أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَلاَ إِذَنْ» أخرجه النَّسائي، فشبَّه معدِن الملح بالماء الِعدّ لعدم انقطاعه، والمعادن قد تكون ظاهرة يُوصَل إليها من غير مؤونة، كالملح والكحل والياقوت وما شابهها، أو تكون باطنة لا يُوصَل إليها إلاّ بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، وما شاكلها. أو تكون جامدة كالبلّور، أو سائلة كالنفط. ولما كان الملح من المعادن، فإن رجوع الرسول ﷺ عن إقطاعه لأبْيَض بن حَمَّال رضي الله عنه، يُعتبر علة لعدم ملكية الفرد له، كونه معدناً لا ينقطع، وليس كونه ملحاً لا ينقطع. ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عِدَّاً، أي لا ينقطع.
ثالثا: الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها؛ كالطرق، والأنهار، والبحار، والبحيرات، والأقنية العامة، والخُلْجَان، والمضائق. ويُلحق بها المساجد، ومدارس الدولة، ومستشفياتها، والملاعب، والملاجئ، ونحو ذلك. وهذه من مرافق الجماعة أيضاً، ولكنها من حيث طبيعتها لا يتأتى أن يملكها الفرد.
فالإسلام بهذه التفصيلات، أحاط موارد الملكية العامة بأحكام بينتها، وحدد الإسلام الدولة باعتبارها الجهة الصالحة لاستثمار الملكية العامة، وتنظيم استفادة الرعية منها بحيث تمكّن جميع أفراد الرعية من الانتفاع منها، بكافة صور الانتفاع وأساليبها التي تحددها الدولة.
إن دولة الخلافة مسؤولة بشكل مباشر عن رعاية شؤون الناس، ومن ضمن رعايتهم، المحافظة على الملكية العامة. ومن المحافظة عليها عدم السماح بالاعتداء عليها، أو تحويلها إلى ملكية فردية، أو إعطاء امتيازات بها لأي أحد، وهو ما يعرف بالتخصيص أو الخصخصة، الذي أفرزه النظام الرأسمالي.
وهذا ما جاء مبينا في المادة 140، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "لكل فرد من أفراد الأمة حق الانتفاع بما هو داخل في الملكية العامة، ولا يجوز للدولة أن تأذن لأحد دون باقي الرعية بملكية الأملاك العامة أو استغلالها" (مشروع دستور دولة الخلافة).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع