إن وصف ثورة الأمة في الشام بأنها ثورة مباركة، وستبقى كذلك بإذن الله، هو لأنها ثورة قامت ضد نظام طاغية مجرم عميل لرأس الكفر والتجبر والغطرسة أمريكا، وليس هذا فحسب، بل لأنها أيضا انطلقت من بيوت الله وتبلورت أهدافها في هدف كبير وعظيم ألا وهو إسقاط نظام الإجرام بكافة أركانه ومؤسساته ورموزه وإقامة حكم الإسلام المتمثل بالخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة تماما كما بشر بها رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام على أنقاضه، وقد تجسد ذلك بوضوح في شعاراتها التي صدحت وهتفت بها حناجر المتظاهرين وضحى من أجلها الثائرون بأرواحهم ودمائهم وأموالهم، وفوق ذلك بفلذات أكبادهم، وقلوبهم متعلقة بالله تستجدي النصر منه تبارك وتعالى.
إن ثورة الأمة في الشام هي ثورة مباركة من أول يوم شعر فيه أهل الشام بضرورة التحرك لإزالة الظلم والقهر عنهم، وشعروا بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم وأمتهم وأنهم لا بد أن يثوروا على الطاغية لإسقاطه هو ونظامه مهما عظمت تضحياتهم، فكانوا على استعداد لدفع فاتورة التغيير مهما غلى ثمنها، وتحمّل تبعات خروجهم على أقوى نظام عمالة في المنطقة مهما كلفهم ذلك فداء، وهذا هو الذي بشر بخير ودل على بداية سلوك المضمار الصحيح والطريق القويم للتغيير.
قد يستصعب بعض الناس مشقة الطريق وعظم التضحيات وطول مدة البلاء، فيقرر التراجع وعدم مواصلة السير في الثورة، ورغم أن هذا القرار هو قرار يائس بائس قد يعتبره بعضهم طبيعيا وسهلا، إلا أنه في الحقيقة هو بداية طريق السقوط إلى الهاوية وهدر كل التضحيات التي بُذلت والدماء التي سُفكت والأنفس التي أزهقت والأعراض التي انتهكت والبيوت التي هُدّمت، وفوق ذلك كله هو العودة إلى العيش من جديد تحت سلطة وطأة تلك العصابة المجرمة نفسها التي فعلت كل ذلك، بل زادها حقدا وإجراما وتغولا عقلية الثأر والانتقام من كل الذين ثاروا ضدها، وما حصل في بعض البلدات التي سيطر عليها النظام من قتل واعتقال وتعذيب واغتصاب للحرائر ونبش للقبور لهو خير دليل على ما نقول.
إن فاتورة التراجع في منتصف الطريق، وعدم المضي قدما في الثورة إلى أن تحقق هدفها بإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام؛ هي أغلى ثمنا وأبهظ تكلفة وأعظم تضحية وأكثر معاناة بكثير من فاتورة مواصلة الثورة حتى تحقق أهدافها؛ لأن عاقبة التراجع هي والعياذ بالله ذل وهوان في كنف النظام المجرم وشبيحته وخسران مبين في الحياة الدنيا والآخرة، أما عاقبة مواصلة الثورة فهي بإذن الله عز وتمكين وأمن وأمان في الدنيا، وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض في الآخرة، ورضوان من الله أكبر.
فهل تسقطون يا أهل الشام، يا رأس حربة الأمة في صراعها مع الغرب الكافر المستعمر، هل تسقطون في شباك اليأس والقنوط التي نصبها لكم أعداؤنا، ويقودكم للتخبط بها من تسلط عليكم، أم تجددون العهد مع الله وتعتصموا بحبله المتين وتواصلوا ثورتكم بعد تصحيح مسارها الذي حرفه القادة المأجورون لتسيروا على بصيرة خلف قيادة سياسية واعية صادقة؟
فالثورة لا تزال في نفوس الصادقين متوقدة رغم المحن والصعاب، وأهدافها في نفوس أبنائها راسخة، والقلوب متعلقة بالله وحده واثقة من تحقيق جميل وعده سبحانه، ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
رأيك في الموضوع