صحيح أن حامل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة، يعاني في طريقه لتحقيق قصده، فحكام ظلمة جائرون له بالمرصاد فلا يسلم من المعتقلات جراء جهره وصدعه بكلمة الحق في وجوههم وعمله لهدم كراسيهم معوجة القوائم، وأيضا من علماء السوء الذين يزينون للحكام وأهل الباطل باطلهم والمضبوعين بالثقافة الغربية الذين جندهم الكافر المستعمر لحمل فكرته وتشويه صورة الإسلام، فهم يعملون بكل قوة لخدمة أسيادهم حتى تعم أفكاره ويعتنقها الناس.
فحامل الدعوة يجابه كل هذه الأصناف متسلحا بثقافته الحزبية والإسلامية، يكافح هنا وهناك بكل قوة وإصرار، باذلا وقته بل ونفسه لإعلاء كلمة الحق وتتويج هذا الجهد بإقامة سلطان الإسلام. ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة فعندما علم الكفار بهجرته ﷺ وأنه ذاهب إلى يثرب لإقامة سلطان الإسلام جن جنونهم فتفاكروا في دار الندوة كيف يتخلصون منه ﷺ حتى لا تقوم له قائمة، فبعد التشاور وصلوا إلى أن يجمعوا من كل قبيلة فتى جلدا فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل، فخاب ظنهم وبطل عملهم ومكرهم عندما أخبره ربه جل جلاله بمكر وفعل قريش فنجا منهم، ولكن هل سكتوا بعد فشلهم هذا وخروج النبي ﷺ؟ لا، بل أعدوا ورصدوا مكافأة كبيرة قدرها مائة من الإبل لمن يأتي به ﷺ.
والشباب العاملون اليوم أيضا لم يسلموا من الابتلاءات في سبيل التمكين لدين الله عز وجل وإعلاء راية العقاب حتى ترفرف في كل الدنيا فضربوا وعذبوا وهجروا، ومنهم من قضى نحبه تحت التعذيب.
ولأن الغرب الكافر المستعمر يعلم علم اليقين أن إقامة الخلافة تعني نهايته، فقد هب لمحاولة منعها، وتصريحاتهم التي صرحوا بها مرارا وتكرارا لهي خير دليل على رعبهم من قيامها، فهذا هنري كيسنجر في خطاب ألقاه في الهند بتاريخ السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2004م في مؤتمر هندوسات تايمز الثاني للقادة، قال: "إن التهديدات ليست آتية من الإرهاب كالذي شهدناه في 11 أيلول/سبتمبر، ولكن التهديد الأكبر آت من الإسلام الأصولي المتطرف الذي يعمل على تقويض الإسلام المعتدل المناقض لما يراه الأصوليون في مسألة الخلافة الإسلامية"، وقال أيضاً: "إن العدو الرئيسي لنا هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام التي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة وكل المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقاً أمام إقامة الخلافة".
ورغم كل هذه العوائق يعمل حامل الدعوة غير آبه بشيء حتى يأذن الله بنصره ويكلل جهود هؤلاء الفتية بإقامة الخلافة، فيفرح مستبشرا بتحقيق وعد الله له وهو يرى أحكام الإسلام التي كانت معطلة تنفذ في أرض الواقع ويصبح الإسلام دستورا ينظم حياة الناس وتعود العزة والكرامة للمؤمنين ويحمل الإسلام العظيم إلى الناس لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.
ويفرح عندما يعود الأمن والأمان والعيش الكريم، ويعود المسلمون أمة واحدة لها مكانتها وهيبتها قائدة للعالم بأسره تأمر فتطاع.
والفرحة الثانية عندما يلقى ربه ثابتا على الحق غير مبدل، فيثاب الثواب الجزيل جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء بما كانوا يعملون، قال رسول الله ﷺ: «بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيباً ثُمَّ يَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" قيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ». نعم أصلحتم حين فسد الناس، ناديتم بتطبيق أحكام الإسلام في ظل دولته الخلافة، وحذرتم الناس من فساد الأنظمة الوضعية الفاسدة المفسدة.
ويفرحوا بما أعد الله لهم بمقعدهم وقربهم من المولى جل جلاله، عن أبي مالكٍ الأشعري، قالَ رسول الله ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهِمْ وَمَقْعدِهِمْ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ثمَّ قال: «هُمْ عِبَادٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى، وَقَبَائِلَ شَتَّى مِنْ شُعُوبِ الْقَبَائِلِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ يَتَوَاصَلُونَ بِهَا، وَلَا دُنْيَا يَتَبَاذَلُونَ بِهَا، يَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ، يَجْعَلُ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ نُوراً، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ قُدَّامَ الرَّحْمَنِ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلَا يَخَافُونَ».
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع