منذ بُعث النبي ﷺ وسنة الصراع بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال، بين النور والظلام، صراع دائم لا ينفكّ، كيف لا، والإسلام هو الدين الخاتم وهو الرسالة الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل؟ وكيف لها أن تتغير وهي الحقيقة المطلقة الواجب التمسك بها وما عداها باطل وضلال؟
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، وإن هذا المكر الدولي أخذ صورة الصراع على ثلاثة أوجه:
1- أن يحاصروا الدعوة بالأسر أو التعتيم أو التجاهل.
2- التآمر على قتل النبي ﷺ واغتيال الفكرة وإبعادها عن التطبيق.
3- الصراع من خلال النفي بالإبعاد والملاحقة أو منع الحركة والانتشار ومنع السفر والانتقال.
إن الاستكبار في الأرض قائم من خلال أنظمة الحكم الدولية الاستعمارية الكافرة، ويعينها على ذلك الرويبضات حكام المسلمين.
لذلك أخذ الحديث عن المكر والاستكبار شكل العموميات في الطرح والعرض، حيث كان المكر وهو التخطيط والتدبير في الخفاء بدقة ودهاء وقوة، فعملوا على هدم الخلافة رمز وحدة الأمة واجتماعها على إمام، وهاجموا أحكام الإسلام وتشريعاته ولا زالوا مستمرين في ذلك، فعطلوا الحدود وطبقوا أحكام النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على الربا والمخالف لكل أحكام الإسلام. وهاجموا اللباس الشرعي للمرأة، ونفذوا برامج التخريب وروجوا للشذوذ والتحلل من كل القيم والأخلاقيات التي فطر الله الناس عليها. وهم ما زالوا يبذلون كل ما في وسعهم مسخرين حشودهم من طوابير عسكرية وأخرى مدنية وثالثة وسائل ثقافية أو تربوية؛ لنشر الفساد والانحلال على كافة الصعد.
إن الاستكبار الدولي قائم ومستمر وهو مصرّ على محاربة دين الله تعالى والعمل على منع عودة نظام حكمه إلى الأرض، ومنع حمل الدعوة الإسلامية بالطريقة الشرعية، فمنعوا جهاد الطلب ويسعون لمنع جهاد الدفع من خلال الدعوة للرجوع إلى قوانين مجلس الأمن وهيئة الأمم.
لذلك كان لا بد من العمل والتصدي لهذا الاستكبار الدولي في الصد عن دين الله عز وجل، والاستمرار في كفاح الكفر وأفكاره والصبر على مواجهته بشتى الأشكال والوسائل التي يحاول بها النفاذ إلى إسلامنا، إلى ديننا منقذ البشرية والعالم من ضلالهم وكذبهم وخداعهم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
وهؤلاء أكابر المجرمين يعترضون على جميع أحكام الإسلام ويحاربون القرآن ويرفضون نبوة محمد ﷺ الرسول الخاتم حيث قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: 124].
إننا نرى في عالم اليوم أن هناك دولاً لأولياء الشيطان وحزبه، دولاً لها سلطان يحكم تحت أسماء ومسميات مختلفة ولكنها تحت مضمون وهدف واحد: حكم الطاغوت والهوى. فهم يستغلون المدارس والمؤسسات التربوية حتى يستهدفوا طلابنا وطالباتنا من الصف السابع حتى الحادي عشر للترويج لثقافة (الجندر) النوع الاجتماعي حتى يؤسسوا للشذوذ الجنسي، ويصورون الزواج لمن هم دون الثامنة عشرة بأنه انتهاك لحقوق الإنسان وهو أمر مجرّم يقع فاعله تحت طائلة القانون الضامن للفساد. لقد جعلوا أنفسهم أوصياء علينا وعلى شرع ربنا فسمحوا بإقامة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج من خلال الحفلات المختلطة والرحلات والمجلات الخليعة ومواقع التواصل الإلكتروني.
إنهم يستغلون حداثة سن الطلاب والطالبات لتمرير الأفكار الغربية الكافرة حتى يزعزعوا الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه وسلخهم عن دينهم وإيجاد جيل بلا قيم، متمرد على الدين والأهل والمجتمع، إنهم يعترضون على الله عز وجل وعلى تشريعاته وأحكامه ويقولون إن الله عز وجل حرمهم حقوقهم الطبيعية، فليس للدين حق في التدخل لتحديد حقوقي أو ميولي لأن الدين حسب زعمهم معتقدات وعادات قديمة لا تتماشى مع القرن الحادي والعشرين!
إن التصدي لهذا الاستكبار والمكر الدوليين هو من أجل الحفاظ على هويتنا حتى لا تسحق أمتنا وتذوب في مستنقع الرذيلة والانحلال، ونحن بقدراتنا الفردية أو الجماعية أو الحزبية لا حماية لنا؛ إذ لا دولة للإسلام ولا سلطان للأمة. حيث ستتأجج المواجهة في شكل أحداث ووقائع تجري على الساحة الدولية تجاه الأمة الإسلامية، حتى يتصاعد دخان حربهم ونارهم التي أوقدوها بدماء المسلمين وأموالهم، إنها معارك على جميع الجبهات، في الإعلام وفي الاقتصاد والاجتماع وحتى على مستوى الحرب الحقيقية التي يغذيها الكافر المستعمر هناك في الشام والعراق ومصر وتونس والسودان...
أمام هذا الواقع المأساوي من الاستكبار والمكر الدوليين، لا بد للمسلمين أن تتوفر فيهم خصلة الثبات أمام هذا الواقع المأساوي والمكر الدولي والكفر العالمي وعلينا أن نتحلى بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا بشجاعة وصدق إيمان بأن النصر من عند الله تعالى، وهذا يقتضي، حتى ينصرنا الله عز وجل على هذا المعسكر الشيطاني، أن نكون بحق أولياء الله تعالى، فلا نهادن حاكماً ولا نسالمه ولا نتلقى مالاً سياسياً منهم ولا ننافقهم مقابل تلقي دعم عسكري، فالله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]. ونواجه المكر والاستكبار الدوليين بالصبر، وإن قوتنا من الله عز وجل نستمدها، وبكون علاقتنا مع الله عز وجل علاقة صحيحة وقوية، فلسنا منهزمين نفسياً ولسنا في ضيق ولا قلق، فالله تعالى معنا وهو الذي بقوته ينهي كل أثر لمكر الماكرين، حيث قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: 127-128].
والذي يملأ القلب طمأنينة ويقيناً أن الاستكبار والمكر الدوليين سيفشلان وسوف ننتصر عليهم بإذن الله تبارك وتعالى، طالت المدة أم قصرت، وإن وعد الله آت والخلافة على منهاج النبوة قائمة بإذن الله تعالى قريباً. ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21]
بقلم: الشيخ سعيد الكرمي (أبو عبد الرحمن)
رأيك في الموضوع