عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله ﷺ: «لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ».
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».
إن الناظر إلى الحديث الأول يتصور أن كيان الإسلام العظيم سيتعرض للتآكل والهدم بنقض عراه واحدة تلو الأخرى، فماذا يبقى من الإسلام إذا نقضت عروة الحكم أولا، ثم تلاها نقض باقي العرى وصولا إلى الصلاة؟ ولعل ما نشاهده في زماننا اليوم هو تجسيد لهذا التآكل الناتج عن نقض عرى الإسلام تباعا، وتخلي المسلمين عن الحكم بما أنزل الله تماما، مع ما صاحب ذلك من هجوم الكفار على قيم الإسلام وممارسة شعائره، حتى وصل الحال بهم إلى إطلاق وصف الإرهاب على الإسلام والإرهابيين على المسلمين الملتزمين، فينقضّون على المساجد التي تشتكي وحدتها وخلوها من المصلين إذا ما فكر مصلٍ أو اثنان إقامة الصلاة فيه، ينقضّون عليهم بالضرب ويجرّون بالسلاسل إلى السجون وكأنهم ارتكبوا إثماً عظيماً أضرّ البلاد والعباد!
فلا يملك الناظر إلى واقع المسلمين إلا أن يحوقل ويسترجع من هول ما يرى من تراجع المسلمين في كل مناحي الحياة، ويتهجّى القلب من الفزع، لقد عصفت بالمسلمين ريح السَّموم وعلاهم غبار اليأس والانهيار وكأنهم قد أصابهم العفاء والفناء، إضافة إلى أعمال التخريب والتحريف للمفاهيم الإسلامية لدى الأجيال الصاعدة، تلك الأجيال التي تحمل مشقّة الظلم على أكتافها، والتي ما ذاقت حلاوة الفتوحات والانتصارات والتي تتوق أن ترفع رايات الإسلام كما رفعها المسلمون يوم كانت لهم دولة خضع العالم كله لسلطانها.
لكن... سرعان ما ينظر الناظر في الحديث الثاني، حتى يقف متفائلاً أمام هذا المشهد القاسي الموجع، ولتفعم نفسه بالأمل والثقة بأن هذه الأمة المنكوبة المنتكسة ستنهض من جديد، وسيُجمع شملها مرة أخرى تحت راية واحدة، تبايع إماما واحدا فتعطيه صفقات أيديها وثمرات قلوبها للحكم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ فتلقف ما صنعوا، إن ما صنعوا كيد كافر مستعمر حاقد ولا يفلح الباطل حيث أتى.
وإذا أنعم الناظر النظر في آيات القرآن الكريم، فإنه سيجد عددا كبيراً منها، تعزز النظرة التفاؤلية المتحصلة من الأحاديث النبوية التي تؤكد أن اليسر دوما يغلب العسر، وأن الفرج يأتي حتما بعد الشدة. ويمكن إجمال المعاني المستقاة من تلكم الآيات في النقاط التالية:
- الابتلاء للاختبار: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.
- البشرى للطمأنينة: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
- الوعد للثقة: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...﴾.
- النصر في الدنيا: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
- الفلاح في الآخرة: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وأما المعاني المستقاة من الأحاديث فهي عينها التي جاءت بها الآيات، وإن بشيء من التفصيل والتخصيص، في الابتلاء والبشرى والوعد والنصر والفلاح، منها:
- عن هِلَال بْن يَسَافٍ قَال: كُنَّا قُعُوداً عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَذَكَرُوا الْأَوْجَاعَ، فَقَالَ أَعْرَابِيُّ: مَا اشْتَكَيْتُ قَطُّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: "مَا أَنْتَ مِنَّا، أَوْ لَسْتَ مِنَّا، إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيُبْتَلَى بِبَلَاءٍ؛ فَتُحَطُّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يُحَطُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ. وَإِنَّ الْكَافِرَ، أَوْ قَالَ الْفَاجِرَ، يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ، فَمَثَلُهُ مَثَلُ بَعِيرٍ أُطْلِقَ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ أُطْلِقَ، وَعُقِلَ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عُقِلَ".
- عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ وَالنَّصْرِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدِّينِ، وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ».
- عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضاً وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً».
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
وبعد النظر في هذه الآيات والأحاديث يظهر بجلاء أن النهاية ستكون بانتصار الإسلام وأهله، وأن ما ضاع من ديار الإسلام وأنظمته وقيمه سيعود مهما طال الزمن وبعدت الشقة، وسيرجع الإسلام عزيزاً قوياً منيعاً، ينشر الخير في ربوع العالم أجمع، ويخرج الناس من ظلمات الجاهلية الثانية برأسماليتها واشتراكيتها وإلحادها إلى نور الإسلام الساطع، قريبا بإذن الله.
ولن يكون ذلك إلا بتثقيف أنفسنا بأفكار المبدأ حتى نسير في طريق النهضة بشكل صحيح وننشر أفكار المبدأ بين الناس ونصنع القاعدة الشعبية المؤيدة للمبدأ بالعمل مع الحزب المبدئي؛ حزب التحرير، الذي غاياته غايات مبدئية، وسيره سير مبدئي، وخططه مبدئية تتوافق مع المبدأ، وأفكاره كلها تنبثق عن المبدأ، والذي يسعى للنهوض ليقيم الحكم، وليطبق النظام المنبثق عن عقيدة المبدأ، فيحصل التغيير الجذري والانقلاب الشامل لجميع مناحي الحياة بعد أن يُجسد الإسلام في الأمة والأحزاب والدولة.
رأيك في الموضوع