عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» حديث صحيح. إن البشرى هي عمل النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وما بُعثوا إلا لغاية أساسية هي إقامة الدين وعبادة الله الواحد رب العالمين، فيعيش الناس شرع الله وحكمه حتى يكون العدل وتعلو الشريعة، ونبينا ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين وارث جميع الرسالات وناسخ جميع الشرائع وماحي جميع الضلالات، أورثنا رسالة الإسلام وأمرنا بوجوب تبليغها للناس، فقال ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً».
فحمل المسلمون من بعده النور الذي جاء به ﷺ بجد ونشاط واجتهاد فكانوا على قدر المسؤولية في حمل الأمانة ملتزمين الخطاب الرباني العام حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾. فما كان من أعداء هذا الدين إلا أن يشنوا حرباً ضروساً منذ أن بُعث النور من غار حراء، وهم لا يألون جهداً في محاربة هذا الدين للقضاء عليه، ويصلون الليل بالنهار للإجهاز عليه.
ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنه ومنذ أن بعث رسول الله ﷺ بالإسلام إلى الناس كافة، عاداه اليهود والنصارى وعبّاد الوثن لأنهم يكرهون الحق والنور، ويكرهون الدين ويكرهون الله رب العالمين ويعادونه معترضين على اختياره واصطفائه لنبينا محمد ﷺ رسولاً خاتَماً. هكذا هي طبيعتهم وجبلّتهم، يعارضون رسل الله فيقتلونهم تارة، ويضطهدونهم تارة أخرى، لأنهم يعارضون الحق والعدل والنور. قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾. وقال سبحانه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. ولكن الله عز وجل، ورغم المكر الكبير والكيد العظيم من أعداء هذا الدين، يأبى إلا أن يتم نوره ويحفظ دينه ويهلك أعداءه، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
ومن هذا المنطلق، فعلى كل مسلم، فرضاً وتكليفاً ربانياً، أن يحمل على الدوام مشعل النور تحت لواء الحمد، لواء رسول الله ﷺ، لأن رسالة الإسلام هي فقط التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهذه مسؤولية كل مسلم في حمل رسالة الإسلام الصافي والنقي، الذي لا يقبل المداهنة وأنصاف الحلول ولا يتعايش مع الكيانات والأنظمة العميلة التابعة للكافر المستعمر، بل يعمل على هدمها، حتى يشيد صرح الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهذا هو الطريق، وما سواه فباطل.
إن البشائر في القرآن الكريم، هدى للناس وبينات عظام لأهل الإخلاص، أهل الإيمان، وهذا فرقان حق ونور أمام باطل زائف ومكر كاذب وخداع ثعالب، وإن القوى الدولية بزعامة رأس الكفر والاستعمار أمريكا توجه ضربات لهذا الدين من كل اتجاه، لأنهم على يقين بأنهم إلى زوال، وأن المستقبل لدين الله، قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾. ولقد تمثل مكر أهل الفجور أولاً في هدم الخلافة وهي أول عروة في الإسلام نُقضت، فمزقوا البلاد وشتتوا العباد، وفرض الكافر المستعمر شروطه على الأمة الإسلامية، وسيطر عليها سيطرةً، ووجهها بوجهته، فأصبح اقتصادها مرتبطاً باقتصاده، وصارت مناهج التعليم حسب مقاسه، والإعلام يخدم مخططاته، وسلاح المسلمين يدافع به عن وجوده، فكان من شروط انسحابه من بلاد المسلمين شكلياً إلغاء الخلافة، وأن تتعهد تركيا آنذاك وجميع عملاء العرب بإخماد كل حركة تعمل من أجل إعادتها، وأن يقطعوا صلتهم بالإسلام السياسي، فكانوا كلهم دعاةً على أبواب جهنم، فبثوا سمومهم لإبعاد المسلمين عن الاحتكام للقرآن الكريم، يقول جلادستون: "ما دام هذا القرآن حياً وموجوداً لدى المسلمين، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق"، ويقول المبشر ويليام بلغراف: "متى ذهب القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وعن كتابه"، ويقول المبشر تاكلي: "يجب أن نستخدم القرآن وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه، فنستخدم القرآن لضرب القرآن والإسلام لضرب الإسلام، اذبحوا الإسلام بسكين الإسلام". إن مهمة أهل الفجور تدمير القيم العليا للأمة الإسلامية، فقالوا: منّوا هذا الجيل بالشهوات، قدموا له المرأة العارية وكأس الخمر، تهدموا شخصيته الإسلامية وتخرجوا الشباب من المساجد فتبعدوهم عن القرآن وعن محمد ﷺ، ولا تنسوا المرأة المسلمة، فتبعدوها عن دينها وحجابها بالاختلاط، والأمة بالقضاء على وحدتها من خلال القوميات والوطنيات وأنظمة الحكم القمعية في بلاد المسلمين.
هذه مخططات الكافر المستعمر وغيرها الكثير، وُضعت لتدمير الإسلام والمسلمين ونقض عرى الدين الحنيف ولكن بشائر النور في قوله تعالى: ﴿وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، باقية في الثلة التي تريد أن تلقى الله عز وجل ومعها الحجة التي تدافع بها عن نفسها بين يديه، حيث قال ﷺ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم. ومن بشائر النور، وجوب العمل على وحدة المسلمين وإعادتهم تحت إمرة خليفة واحد في الأرض كلها عملاً بقول الرسول ﷺ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» رواه مسلم. وأختم بقول باترك بوكنان - كان مرشحاً للانتخابات الأمريكية عام 2006 - "الإسلام غير قابل للتحطيم، فلا تستهينوا بالإسلام، إنه الديانة الأسرع انتشاراً في أوروبا والعالم، ولكي نهزم عقيدة الإسلام، فإننا نحتاج إلى عقيدة، فما هي عقيدتنا نحن؟ (إنها النزعة الفردية)" وقال تحت عنوان "فكرة آن أوانها": "إن فكرة الحكم بالإسلام تتوطد عراها بين المسلمين وإن الفكرة التي يعاديها كثيرون هي إعادة الحكم بالإسلام وهي فكرة تفرض نفسها، إن من يحملها ويدعو إليها يعتقد أن هناك إلهاً واحداً هو الله عز وجل، وأن محمداً رسول الله ﷺ، وأن الإسلام هو الطريق الوحيد إلى الجنة" ثم يتابع فيقول: "إن عشرات الملايين من المسلمين، بدؤوا يعودون إلى جذورهم في إسلام أكثر نقاءً، وإن جلد المؤمنين وصبرهم مدهش! لقد بقي الإسلام على قيد الحياة على الرغم من إلغاء الخلافة، وعلى العالم أن يدرك أن ما نواجهه شيء غير اعتيادي".
أيها المسلمون: كونوا على يقين بأن نور الحق قادم والخلافة تؤرق أمريكا والعالم، فهي التي تواجه مكر أهل الفجور، قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» رواه مسلم.
بقلم: الشيخ سعيد الكرمي
رأيك في الموضوع