الإسلام والعلمانية خطان متوازيان من المحال أن يلتقيا أو يتوافقا، فالإسلام يقوم على أساس لا إله إلا الله، والعلمانية تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة. والإسلام جعل التشريع لما جاء به الوحي حصراً أي لله وحده، والعلمانية جعلت التشريع للعقل البشري. فكان الإسلام والعلمانية متناقضين مختلفين في أسس الأفكار والمفاهيم، هذا في جانب الأفكار. وفي الجانب السياسي وإدارة شؤون الحكم كانا أيضا متنافرين متناقضين يرفض كل منهما الآخر، فالإسلام يُحرّم ويُجرّم أن يكون للعلمانية والعلمانيين أي دور في الحكم والرعاية، والعلمانية أيضا ترفض أن يكون للإسلام الصافي الذي أراده الله عز وجل أي دور في الحكم والرعاية.
هذا التناقض والتنافر بين الطرفين هو من البديهيات عند العقل البشري سواء أكان المفكر في المسألة والأمر مسلما أم علمانيا، وإذا حصلت في مرحلة من المراحل أو حالة من الأحوال عملية التقاء وتوافق بين دعاة الإسلام ودعاة العلمانية فهذا التقاء وقبول على غير الحقيقة وهو مدعاة للشك والريبة، فمثل هذا الالتقاء لا يكون إلا بتنازل دعاة الإسلام المتوافقين مع العلمانيين عن أساسيات مركزية من أسس الإسلام، ومكر وخبث من العلمانيين لتمرير مخطط ما على أكتاف وظهور أصحاب الطرح الإسلامي المشارك لهم. فالتقاء وتوافق الإسلام والعلمانية في الحكم والذي شاهدناه في أكثر من بلد من البلاد الإسلامية هو تزاوج محرّم لا يأتي إلا بمواليد سفاح.
لقد شاهدنا وعاصرنا العديد من صور حالات التقارب والالتقاء بين بعض دعاة الإسلام والعلمانيين، والمدقق في هذا الالتقاء لا يجده يخرج عن حالة وصورة واحدة تتمثل في فخ ينصبه العلمانيون لهؤلاء الدعاة لتمرير مخطط سياسي ما على ظهورهم ثم بعد إنجاز وإتمام هذا المخطط يقوم العلمانيون بوصم الإسلاميين المشاركين لهم بالفشل والتآمر ومن ثم يتم الطلاق، والنتيجة تقهقر وضعف وتخبط الإسلاميين وظهور العلمانيين كمنتصرين وأنهم هم وحدهم الأهل والأجدر لحكم الدول وقيادة الشعوب، وبذلك يكون حال المشاركين من التيارات الإسلامية كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى!
ففي مصر، عندما تخوفت أمريكا من سقوط وزوال نفوذها باندلاع الثورة الجماهيرية الأخيرة كانت خطتها تمرير مخطط التهدئة وإعادة ترتيب الأمور بالزج بالإخوان المسلمين في الواجهة فرسمت فكرة الانتخابات ورسمت حدودها بالتعاون مع قادة مصر العلمانيين فسمحوا بوصول الإخوان للحكم، وبهذه اللعبة القذرة الخبيثة من أمريكا وعملائها العلمانيين وسطحية تفكير من الإخوان تم إجهاض الثورة وبعد ذلك قام حكام مصر العلمانيون بالانقلاب على الإخوان والزج بهم في السجون وإلصاق التهم بهم والقتل والتشريد ووصمهم بالفشل والتآمر والفساد والمحسوبية.
وفي تونس فإن المشهد جديد، فبعد أن استخدمت حركة النهضة وجيء بها لتهدئة الشارع وإجهاض أهداف وطموحات الثورة التونسية والمتمثلة بالتغيير الشامل عن طريق إشراكها في الحكم تم إقصاؤها بعد تحقيق المراد وأخرجت من أضيق الأبواب مذمومة مدحورة على يد علمانيي تونس.
هذه النماذج وما ترتب عليها يؤكدان أن العلمانية والعلمانيين لا يقبلون الإسلام ولا بأي شكل من الأشكال، وإذا حصل التقاء فقطعا يكون مخططا لتمرير خطة ما على أيدي الإسلاميين الذين يلتقون معهم ويشاركونهم. فهذه النماذج وغيرها يجب أن تكون عبرة ودرسا بالغا لكل الواهمين المخدوعين بفكرة المشاركة في الحكم من الإسلاميين فيرفضوا كل أشكال المشاركة والالتقاء في المستقبل وأن يدوروا مع أحاديث الرسول ﷺ: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»، «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»، فبالدوران مع هذه الأحاديث لا تتلوث أيديهم بوزر المشاركة وتمرير المخططات ويجعلون العلمانيين في ضعف وورطات لا يخرجون منها ويُبقون صورة الإسلام في النقاء والصفاء حاضرة فيبقى الإسلام أمل الأمة في التغيير، وبالالتقاء والمشاركة يكونون طوق النجاة للعلمانيين وأسيادهم من كل سقطة ويحرقون جهوداً كثيرة وكبيرة سارت من أجل التغيير ويُدخلون الإحباط واليأس لقلوب الكثير من أبناء الأمة ويجعلون دعاة العلمانية يشعرون بنشوة النصر. فلا يجنى من المشاركة والالتقاء إلا الشوك والحنظل.
إن منهج التغيير الحقيقي والذي رسمه لنا وجسده عمليا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام لا يكون إلا بمفاصلة العلمانية والعمل بكل جهد وطاقة على امتلاك القوة التي تقلب الموازين فتزيل العلمانية القذرة الشريّرة وتوصل الإسلام إلى الحكم جبراً عن الكفر والشرك فتسوس الناس وترعاهم بالإسلام وحده، فالواجب أن تُصّب جهود كل التيارات الإسلامية بهذا الاتجاه ومن أجل هذا الهدف ليكون الفوز في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض وفي الدنيا نعيد فردوسنا المفقود دولة العز والتمكين دولة الخلافة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع