(أفادت دراسة صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي بأن التقدم في تقريب الفجوة بين الجنسين في أماكن العمل يتباطأ بدرجة كبيرة، باستثناء ملحوظ في رواندا التي أصبحت في صدارة الدول التي تتساوى فيها أجور الرجال والنساء، بالرغم من أنها لا تزال تتعافى من آثار حرب أهلية شهدت عمليات إبادة. ويتوقع المنتدى الآن تحقق المساواة الاقتصادية في عام 2186، أي بعد 170 عاما...)
كان الهدف الخامس من أهداف خطة التنمية المستدامة الـ17 لعام 2030، التي اعتمدها قادة العالم في أيلول 2015 في قمة أممية هو "تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات... فالمساواة بين الجنسين ليست فحسب تشكل حقا أساسيا من حقوق الإنسان، ولكن أيضا أساسا من الأسس الضرورية اللازمة لإحلال السلام والرخاء والاستدامة في العالم".
وكان المنتدى السويسري غير الربحي قد قال إن الفجوات في التعليم والصحة كادت أن تتلاشى إلا أنها لا تزال "واسعة جدا" في المشاركة الاقتصادية والتمكين السياسي في أنحاء العالم. ووجد معدو التقرير أن عدد النساء في المواقع الكبرى لا يزال منخفضا بقوة، ولا تزال أربع دول فقط في العالم لديها أعداد متماثلة من الجنسين في المجالس التشريعية وفي المناصب العليا ومواقع المديرين، رغم حقيقة أن 95 بلدا يتعلم لديها الآن عدد من النساء يساوي أو يتجاوز عدد الرجال على المستوى الجامعي... ووجدوا كذلك أن النساء في أنحاء العالم حصلن في العام الماضي على ما يزيد قليلا عن نصف الأجور التي حصل عليها نظراؤهن الرجال، بالرغم من أنهن يعملن ساعات أطول وأن مشاركتهن في سوق العمل تعادل ثلثي مشاركة الرجال... فعن أي مساواة اقتصادية يتكلمون؟! وأي أفكار صدروها ويعملون عليها في البلاد الإسلامية عن المطالبة بالمساواة المطلقة في الحقوق والأدوار والمسؤوليات بين الرجل والمرأةوالتي هي فكرة خيالية تظلم المرأة كثيرا وتجعلها تعيش في دوامة من الصراع والمنافسة مع الرجل... وكان من تلك الأفكار "تمكين المرأة اقتصاديا".
فإن الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي تهتم بشكل كبير بفكرة "ريادة الأعمال للنساء" بحيث تُتخذ التدابير والبرامج، وتُنشأ الجمعيات والمؤسسات، وتُعد الاتفاقيات والمؤتمرات والندوات لتشجيع المزيد من النساء على الوظائف والأعمال، وكذلك في المساعدة في نمو الشركات التي تملكها النساء بإيهامهن أن هذا هو السبيل إلى تأمين حياتهن وتخفيف حدة الفقر، وإيجاد الرخاء الاقتصادي وتمكين المرأة وإثبات ذاتها وشخصيتها وإنصافها ومساواتها وحقوقها. وقد لعب الغرب على هذه الأوتار لدفع المرأة في العالم الإسلامي إلى سوق العمل والتوظيف والمنافسة مستغلا سوء الأوضاع الاقتصادية والفقر والعوز، والذي كانت نتيجته وظائف رخيصة الأجر تُستغل فيها النساء والفتيات. وكذلك استغلت البعد عن الأحكام الشرعية في العلاقات الأسرية لدفع المرأة إلى جعل العمل والتوظيف أولى أولوياتها، فقد عزوا العنف الذي تتعرض له العديد من النساء إلى أن المرأة ينقصها "التمكين"، ولو أنها تعمل لما تعرضت لهذا العنف ولعاشت بكرامة!! هذه الأكذوبة التي تقول إن دفعها للعمل هو السبيل إلى عيشها بكرامة وتخفيف حدة الفقر، والحقيقة أن هذا ما هو إلا استغلال اقتصادي منظم تواجهه النساء كعمالة رخيصة من قبل الشركات الرأسمالية والحكومات التي تسعى لزيادة الأرباح والإيرادات مما يعني زيادة عمالة الإناث، ولكن معظمها في العمل غير المنظم مع تدني الأجور مما يعني مزيدا من البؤس والظلم والصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي ستبقى المرأة تعاني منها طالما هي تعيش في ظل هذا النظام وسياساته العفنة، بغض النظر عن كونها عاملة أم لا. وحتى النساء اللواتي يدرن أعمالهن أو يعملن بشكل مستقل - وفي ظل قوانين النظام الرأسمالي الذي لا يعترف إلا بالقوي ويخضع لسياسات هذا النظام الجشع - فإنهن في صراع وقلق دائم من أجل البقاء وعدم الإفلاس... لهذا فإن السبب الرئيسي للفقر والمعاناة هو فساد سياسات السوق الحرة الرأسمالية التي تتلاعب بأنظمة التجارة الخارجية والنظام الضريبي لصالح الشركات الأجنبية على حساب التجار المحليين.
إن حقوق المرأة ضائعة أصلا بسبب هذا النظام الرأسمالي السائد الذي أجبرها على الخروج للعمل بحجة المساواة والتمكين الاقتصادي فحمّلها أعباءها وأعباء الرجل وجعلها تصارع من أجل الإنفاق على نفسها وأحيانا على أولادها مع أن هذا واجب الرجل نحوها، ولم تعد تجد الوقت الكافي اللازم للجلوس مع أطفالها والعناية بهم... وأصبحنا نرى النساء المعيلات لأسرهن سواء بغياب الزوج أو وجوده. وكذلك فقدت الإحساس بالأمان نتيجة هذا النظام الرأسمالي الجشع مما جعلها تؤجل الزواج والأمومة بسبب العمل وتأمين نفسها من الحاجة إلى غيرها كما تظن.
فأين هذا من الإسلام الذي لم يفرض عليها العمل ولم يطلبه منها بل جعله في دائرة خياراتها إن أرادته وفي ظروف آمنة كريمة حيث تكون مكانتها دائما محفوظة وكرامتها مصونة، وحرم استغلالها أو استغلال جمالها وجسدها أو أي شيء يمس بكرامتها... والذي لا يقبل بأن تعمل تحت ظروف من الاستعباد أو الذل أو الاضطهاد... وقد جعل نفقتها حقاً لها عند الرجل ونصيباً مفروضاً في ماله وليست تفضلاً أو منّة منه. يقول الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾، ويقول e: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».
نخلص من هذا أنه لا نظام يحمي المرأة ويمكنها إلا نظام الإسلام بنظامه وسياسته الاقتصادية السليمة القادرة على حل الفقر وتوفير الأمن المالي والرخاء الاقتصادي والرعاية التي أوجبها الشرع على أقاربها من الذكور أو من قبل الدولة، في الوقت الذي تعطى فيه الحق في العمل في ظروف كريمة آمنة لا استغلال ولا سوء معاملة فيها ولا قمع.
بقلم: مسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع