سنة كاملة مضت على جريمة انتهاك الحرمات واختطاف شباب حزب التحرير والزج بهم في زنازين سجون الجولاني ليصبحوا رهائن يساومونهم على دينهم ومواقفهم! عام من الكفاح عاشه الثوار في الميادين ضد المجرمين، تظاهرات يومية، وقصاصات ورقية في كل شارع، وبرقيات من كل قرية ومدينة، ولقاءات مستمرة لا تنقطع... حراك متواصلٌ حق له أن يثمر بعد كل هذه الجهود الجبارة والتضحيات الجسام التي كانت كرياح نزعت قناع المتآمرين وكشفت خياناتهم ونواياهم وسوء صنيع المجرمين.
فالحراك الجديد ليس حدثاً عابراً بل حدث مفصلي في درب الثورة، إذ أعاد بشعلته النيرة وبثوابته الواضحة للثورة حرارتها وذكرت الثوار بأيام العزة بعد أن كاد الناس يفقدون الأمل، لشدة ما يمارسه الطغاة الصغار من تسلط وظلم. وقد كان الحراك معول هدم يضرب بقوة الحق مفتتاً ومزعزعاً كل مخططات المتآمرين، وكاشفاً خبث القادة المتاجرين ومكرهم وارتباطهم بالدول. كما ذكرنا الحراك بصدق العاملين في سنوات الثورة الأولى التي بها كسروا جبروت الطغاة، وبها هزوا كيان النظام الدولي، وبها شيبوا رؤوس الساسة الفجار لكثرة اجتماعاتهم.
إن الحراك الجديد أعاد الناس لأعظم نداء لهذه الثورة العظيمة التي صدحت حناجر ثوارها تنادي بصوت مجلجل "هي لله هي لله"، "قائدنا للأبد سيدنا محمد"، إن موجات الحراك لم تبق لحلول الخيانة والتنازل أي معنى بل عصفت بها وبكل المؤامرات بعد أن كادت الدول المتآمرة تظن أن مخططاتها ستنجح. ولكن هذا الحراك الشعبي المبارك أعاد أهل ثورة الشام إلى أهداف ثورتهم، ونزع اليأس من صدروهم... لهذا كله كان الحراك ضربة قاسية تلقاها مغتصبو السلطة وصبيان التحالف حين انتهكوا حرمات المسلمين، واقتادوا أصحاب كلمة الحق والمجاهدين إلى مسالخ بشرية وإلى ظلمات السجون بطرق تشبيحية قد ترفع عنها أبو جهل! ألم يتفجر بركان الثورة في درعا لأجل الأعراض والحرمات؟
حقاً إن نهج الطغاة واحد، وقد تجاوز بطش النظام المجرم كل حد، وانتهك كل محرم، وبات القهر والبطش بالمسلمين منهج حياة يسلكه مجرم الشام، فكان المسلم متهما مضطهدا تلاحق تحركاته عصابة مجرمة متسلطة، وإذا ما لمست منه محاولة نداء بقضايا أمته يتحول دون إثباتات لرهينة في السجون؛ يسام سوء العذاب، ويُقبر في حفرة جماعية، أو يُترك لجدران السجون تأكل عمره!
والآن على الخطا ذاتها تسير قيادة هيئة "تحرير" الشام؛ إذ يلاحق المخلصون العاملون والثوار المجاهدون ويزج بهم في السجون ليكونوا رهائن لا معتقلين! وإذا ذهبت امرأة تسأل عن ابنها المختطف المغيب في سجون الطغاة، يقولون لها قُتل! تطلب جثته فيجيب: "هو مقبور مع عشرة"! هذا وأكثر قد فعله المجرمون الجدد.
لذا كانت دوافع الحراك كثيرة؛ فالجرائم لا تعد، منها: قتل امرأة لأجل عدة لترات مازوت! ومنها ترقية الخونة ووضع الشرفاء في السجون! ومنها إراقة دماء المجاهدين لأجل السيطرة على معبر! ومنها استحلال انتهاك الحرمات والاطلاع على العورات! ومنها اغتصاب سلطان المسلمين وقطع طرقهم ونهب أموالهم!
لأجل هذا وأكثر ندب الرجال المخلصون أنفسهم لهذه القضية والمهمة التي ترضي الله تعالى، وكانوا مع أبناء أمتهم كتلة صلبة لا تواجه، وسداً منيعاً ضد كل من يتاجر بالثورة وتضحيات أبنائها، يدافعون عن المضطهدين والمظلومين وقد نالهم شتى صنوف الأذى، ورغم كل ذلك لم يتوقفوا ولم يثنهم إجرام المجرمين، ولا استهزاء المستهزئين، ماضون وهم مبصرون لدربهم، واثقون بنصر ربهم.
ولقد أكد حراك الثوار أن الطغاة مهما تجبروا لا يستطيعون أن يسجنوا فكرة، وأن قضية الإسلام لا تنفصل عن الأمة. وقد أكد الحراك أن هناك حزباً سياسياً يتصدى لكل من يتآمر على أمتنا ولكل من يتعدى على حدود الله، وهو جزء لا يتجزأ من نسيج هذه الأمة. وقد ترسخت عند الناس أهمية العمل الجماعي المنظم، وضرورة العمل السياسي، والوعي على ما يحاك من مؤامرات ومؤتمرات. وأهم من هذا كله إدراك الناس أن القيادة السياسية الصادقة الواعية هي المسؤولة عن نجاح أي ثورة، لذا نرى الناس اليوم قد ثاروا على الدول المتآمرة والقيادات الأجيرة التي تسعى لوأد الثورة وتركيع الناس.
لقد أدرك أهل الثورة أن التحركات الشعبية، والنزول للساحات يرعب الطغاة، ويشل حركتهم ويسلب راحتهم وإرادتهم فزادت ثقة الناس بحراكهم. ويبقى أن تهتدي حاضنة الثورة لقيادة واعية صادقة، تقودهم بمشروع من صلب عقيدة الأمة إلى الحياة الكريمة وتحقيق أهداف ثورتهم بإسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وقد تكونت في الأمة بوادر الثقة بالعاملين لأنها نمت كشجرة طيبة في تربة طيبة.
إن أهل الشام مستمرون ما دام فيهم رجال صادقون مخلصون يقودونهم إلى خير الدنيا والآخرة، وبات الجميع يعلم أن القائد هو الذي يصدق أهله ولا يخدعهم، ولا يلين ولا يضعف، فهو صاحب الهم الذي لا يهدأ، ولا يقعده سأم. وقد أثبت العاملون للتغيير أنهم كانوا طوال سنوات المكر والخداع يعملون بجد مع أهلهم لينقذوا ثورتهم، وكيف لا يعملون وهم من نذروا أنفسهم لخدمة أمتهم والسير بها ومعها لتحقيق غايتها والوصول بها إلى حياة رغيدة في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؟!
فتضحيات الأمة لن تذهب سدى بإذن الله، وما هانت ولن تهون على الصادقين المخلصين، ولو بلغ الإجرام المدى سيظل الهداة بإذن الله على درب الكفاح حتى النصر والتمكين.
بقلم: الأستاذ أنس الجلوي
رأيك في الموضوع