لم يمتلك القائمون على الثورة الوعي السياسي الكافي؛ فلم يدركوا واقع الصراع في الثورة، وجهلوا تبعية النظام السوري سياسياً، ولم يفرقوا بين الدولة التابعة والدولة العميلة والدولة المستقلة؛ لأنهم بطبيعة الحال لم يقرؤوا التاريخ قراءة سياسية، بل قرؤوه قراءةً قصصية مشاعرية، وحالهم هذا طبيعي لأن خلفيتهم المجتمعية تعود إلى أحد صنفين؛ إما طالب علم متحمس قضى جلَّ وقته بين جدران المساجد يحفظ القرآن مركزاً على مخارج الحروف وضوابط التجويد ويتعلم من الفقه ما يحتاجه الإنسان في حياته الطبيعية، أو شخص صاحب مهنة أو خبرة علمية معينة أخذته الحمية وحركته عقيدته لينتفض بوجه النظام ويتصدر الصفوف ويتخذ القرارات، فكلا الصنفين كانا يفتقران إلى الوعي السياسي، وبالتالي من الطبيعي مع هذه القيادة ألا ترى لثورة الشام مشروعاً سياسياً يقودها ويوضح خط سيرها وهدفها...
من هنا بدأت المصيبة فصرت ترى الارتجال في القرارات وتسمع التحليلات المضحكة المجردة من التفكير السياسي المستنير، فصادقوا من بدت البغضاء من أفواههم من الدول وأجهزة مخابراتها. فأدرك الغرب الضعف السياسي الكبير عند هذه الطبقة في الثورة، فكان هذا الضعف بالنسبة له حصان طروادة الذي استطاع من خلاله التسلل إلى داخل حصون الثورة بادعائه صداقتها، ثم خداعه لفاقدي الوعي السياسي السابق ذكرهم، فتم جرهم إلى ميدان السياسة الذي أوهموهم فيه بأنهم من اللاعبين الأساسيين ولكن الحقيقة أنهم ما كانوا إلا كومبارس ناطق ضمن مسلسل التنازلات يلقَّن ما يجب أن يقول في المحافل والاجتماعات! فكانت النتيجة أن مررت المؤامرات تلو المؤامرات وأصابت الثورة هزائم تترى، وهم حتى الآن لا يدرون حقيقة الواقع السياسي ولا معنى السياسة ولا أهمية المشروع السياسي، فضاعوا وكادوا أن يُضيعوا معهم ثورة كلفت مئات آلاف المعتقلين وأكثر من مليون شهيد وملايين المهجرين والنازحين...
وكل ذلك كان نتاج من يعمل قبل أن يعلم ويستمر بجهله ولا يسأل أهل العلم والسياسة ليشفي عيّه ويتدارك ما يمكن تداركه. وصلى الله وسلم على رسولنا إذ قال لابن مسعود رضي الله عنه ليعلمنا أن نتعلم قبل العمل فقال له: «هَلْ تَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟» فقال ابن مسعود: الله ورسوله أعلم. فقال ﷺ: «فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَبْصَرُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَتِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّراً فِي الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ». وقال ﷺ: «أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ»... فيا ليتهم سألوا إذ لم يعلموا، فكيف وقد علموا أنهم ضلوا وتاهوا عن جادة الصواب، ولكن الهوى أعمى بصائرهم فلم تعد تنفعهم أبصارهم!
إن العمل دون هدف ودون وعي ودون قيادة واعية لن يقود ثورتنا إلا إلى مزيد من الضياع، فلنتدارك أخطاءنا لنكون على بصيرة ففي ذلك خلاصنا وعزنا.
بقلم: الأستاذ أحمد شكير (أبو مهند)
رأيك في الموضوع