لله عز وجل، ومنع هذا النور من الظهور مرة أخرى بين الناس، تماما كما فعل كفار مكة من قبل... فها هي أمريكا؛ تجيش دول العالم ومؤسساتها، وتجيش عملاءها من حكام المسلمين؛ في حرب شرسة تستهدف القيم الإسلامية، والأخلاق السامية في بلاد المسلمين، وترسم الخطط والأساليب الماكرة لوأد ثورات الأمة ضد عملاء الاستعمار.
إن الأساليب التي تتبعها دول الكفر هذه الأيام وعلى رأسها أمريكا لوأد مشروع الأمة الإسلامية الحضاري كثيرة ومتعددة، وهي تستهدف العقيدة والأفكار والأحكام، وتستهدف المقدرات والثروات والبلاد والعباد، وتستهدف كرامة الأمة وكبرياءها. وترسم في الوقت نفسه الخطط؛ من أجل طمس هويتها الحضارية، ولتذوب في ثنايا الدول الكافرة، دون تميّز ولا هوية... ومن هذه الأساليب والخطط الشيطانية الكافرة:
1- استخدام العملاء السياسيين، في تضليل الأمة؛ مرة بالقومية، ومرة بالوطنية، ومرة باسم الدين... وقد ضُلّلت الأمة مراتٍ كثيرة، وما زالت من هؤلاء الحكام المجرمين؛ ضللها جمال عبد الناصر في الخمسينات من القرن الماضي بالقومية العربية؛ فقتل باسم القومية خيرة علماء الأمة؛ أمثال سيد قطب، وعبد القادر عودة رحمهما الله، وغيرهما الكثير من العلماء، ووضع الآلاف في السجون سنوات طويلة، وأرسل الجيش المصري إلى اليمن باسم القومية فقُتل الكثير منه في حرب استعمارية أشعلت نارها الدول الكبرى.
واليوم تضلَّل الأمة باسم الدين والغيرة على شعائره، واتخاذ الدين غطاءً لجرائم سياسية وعسكرية كثيرة؛ تستهدف الأمة ودينها وحضارتها ومقدراتها. وهذا الجانب من التضليل يُستخدم فيه التنظيمات العسكرية؛ كما جرى في الشام، والتنظيمات السياسية؛ كما جرى في تونس، ورؤساء الدول؛ كما جرى في السودان وباكستان وتركيا.
2- العمل على دمج المشروع الصهيوني في بلاد المسلمين، بالمشاريع السياسية في المنطقة، وبإقامة العلاقات والتطبيع السياسي عبر ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير؛ وذلك ليكون كيان يهود جزءاً من المنظومة السياسية الموجودة، وللقضاء على فكرة تحرير فلسطين، وإعادة الحق الإسلامي، وليكون هذا المشروع أداة من أدوات الحرب على الإسلام، وقاعدة عسكرية وسياسية في خدمة مشاريع الاستعمار. وقد بدأت بالفعل الدول الكافرة بجلب الحكام إلى هذه المائدة الشيطانية الكافرة؛ ابتداء من كامب ديفيد، مرورا بمدريد وأوسلو ووادي عربة، وليس انتهاء بفعل حكام الإمارات.
3- تجويع الشعوب وتشريدهم في الأرض، وهذا جزء من المشروع العالمي لتشتيت المسلمين، وتمزيق وحدتهم وتركيعهم أمام مخططات الكفر، وليظلوا تبعا للمؤسسات الدولية؛ في القروض الكبيرة؛ التي تستنزف البلاد والعباد لسنوات طويلة، ولتكون أداة استعمارية أخرى تضاف إلى الأدوات السابقة.
4- قتل العلماء البارزين وخاصة في المجال العلمي، والزج بالآلاف منهم في السجون وخاصة السياسيين من دعاة التغيير. وهذا الأمر بارز في أعمال مملكة آل سعود ونظامي مصر السيسي والعراق.
5- الالتفاف على ثورات الأمة، وذلك بالقتل والتهجير، وبالأساليب التضليلية كإدخال بعض الجماعات الإسلامية في الحكومات والبرلمانات...
فهل نجح الكفار في صرف الأمة عن دينها ومشروعها الحضاري رغم قسوة الحرب وشدتها وتنوعها؟ هل قبل المسلمون المشروع الغربي في دمج يهود في مشاريعهم السياسية؟
إن الله عز وجل يأبى إلا أن تكون كلمته هي العليا، وكلمتهم السفلى... يأبى الله عز وجل إلا أن ينتشر الإسلام؛ في عقر ديارهم في قلب أوروبا وأمريكا؛ فيعلن أكثر من خمسين ألفا في كل عام إسلامهم، ويتبعون الحق وينبذون الرأسمالية الفاسدة، وتتحول الكثير من الكنائس في عقر ديار النصارى إلى مساجد... يأبى الله عز وجل إلا أن تصبح كلمته هي العليا في بلاد المسلمين؛ حيث سقط الحكام من عيون شعوبهم، وأخذوا ينعتونهم بالخيانة والعمالة، ويثورون في وجوههم في ثورات عارمة حاشدة تطالب بإسقاطهم، وتحكيم دين الله عز وجل... يأبى الله عز وجل إلا أن تكون كلمته هي العليا؛ رغم محاولات الحكام المتكررة لطمس الإسلام من حياتهم عبر برامج التخريب والثقافات الفاسدة، فيزداد الشباب المسلم تمسكا بدينه وينبذ أفكار الغرب الساقطة... يأبى الله عز وجل إلا أن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الكفار وعملائهم الحكام هي السفلى؛ في دعوتهم للتطبيع مع كيان يهود، فيفشل هؤلاء وهؤلاء في حرف دين الناس نحو اليهود؛ ولم ينجحوا في إيجاد أي سلام أو وئام مع الشعوب؛ حتى إن رئيس وزراء كيان يهود قال في الذكرى الأربعين لاتفاقية كامب ديفيد: (لقد فشلنا فشلا ذريعا في إيجاد السلام مع الشعوب في العالم الإسلامي؛ رغم نجاحنا في إيجاده شكليا مع الحكومات...).
يأبى الله عز وجلّ إلا أن يُتم نوره، وأن يمكن لأمة الإسلام في الأرض؛ رغم كل الحرب التي يديرونها ضدها. فهذه الأمة هي تماما كالذهب الخالص تزداد لمعانا كلما حميت عليها النيران، وتسقط منها الشوائب التي من غير جنسها، وتزيدها الأحداث صلابة وتصميما. فقد مدح الله عز وجل هذه الأمة فقال: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراًّ لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]. ووصفها رسوله ﷺ فقال: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» رواه الترمذي.
إن السنوات القادمة هي سنوات الخير وتحقق الوعد الرباني والبشارة النبوية؛ بانهدام الكفر، وعودة الإسلام ودولة الإسلام، وعزة الإسلام؛ لينتشر هذا الدين في كل الأرض كما وعد الحق تعالى بقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، ولتتحقق بشارة المصطفى ﷺ؛ بفتح ثاني المدينتين روما مهد الفاتيكان، وتتحقق بشارته ﷺ بانتشار دين الله في كل الأرض؛ حيث قال: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» رواه الإمام أحمد...
نسأله تعالى أن يكون هذا العام الهجري الجديد؛ فاتحة خير عليها بظهور النور الإلهي على الظلم والظلام.
رأيك في الموضوع