كالعيس في البيداء يقتلها الظما *** والماء فوق ظهورها محمول
لطالما جسد هذا البيت من الشعر حال الأمة على مر سنوات طوال حيث كم قدمت وما زالت تقدم من تضحيات ليس إلا لأنها آمنت بربها ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ وتتطلع إلى الانعتاق من ربقة المجرمين أتباع المبادئ الأخرى من رأسمالية وغيرها الذين جروا على العالم ما جروه من ويلات.
وجدت الأمة متنفساً في الأرض المباركة التي قال عنها رسولنا الكريم e «أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ» فقامت ثورة على نظام متغطرس أعمل في جسدها الجراحات على مر عشرات السنوات بمنظومة أمنية وعسكرية مجرمة، فكانت ثورة وليدة خرجت من المساجد وصدحت بشعارات تنبئ بإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام.
ولما كان هذا النظام المجرم كغيره من أنظمة الجور في العالم الإسلامي، حلقة من سلسلة النظام العالمي وبذرة شر زرعها أسياده في الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا كان لا بد من أن يستنفر الغرب والشرق للإجهاز على هذه الثورة كل حسب الدور المرسوم له، فصنعوا قيادة سياسية علمانية ألحقوا بها القوى العسكرية، وساقوهم لمفاوضات مع المجرمين برعاية المجرمين فصار الجلاد هو الضامن، فانحسرت الثورة ولحقت بها خسائر متتالية وبدأ النزول بعد صعود والهزيمة بعد النصر، فتبين أن الانتصارات التي أحرزت ما هي إلا إحدى اثنتين: إما كرم من الله وأعطية رغم معاصينا وذنوبنا علها تكون موجهاً نحو الطاعة والامتثال لأمره، أو حبلاً من حبال أمريكا مكرت حتى تلفه على رقابنا وتشده في اللحظة المناسبة لتعيد للنظام ما أخذ منه مع تحقيق الهزيمة النفسية للثورة ومن ثم تصفيتها، وفي كلا الحالتين الانحسار تحقق فسلمت بلاد وعباد وعتاد، أعاد للنظام نشوة النصر بعد ذل الهزيمة!!
وبالتشخيص الدقيق للمرض الذي استشرى في جسد الثورة من مال سياسي قذر واقتتال بين الفصائل وهدن ومفاوضات وتسليم البلاد والعباد والعتاد...إلخ، ما كان ذلك ليحصل لو كانت هناك ثوابت تسير الثورة بها ووفقها تحت ظل قيادة سياسية من صلب الأمة واعية مبصرة لطريق النجاة والخلاص.
هذه الثوابت تفرض نفسها كواقع شرعي من باب الحاجة الملحة وليس الترف الفكري،فثورة خرجت على نظام يُفترض أن تسعى لتغييره عن بكرة أبيه وتجتثه من جذوره وتسقطه بكافة أركانه ورموزه وأكثر، ما يعني ذلك المنظومة الأمنية والعسكرية؛ فبهم تتمثل الدولة العميقة وكل ما سوى ذلك إنما هو ترقيع للنظام وإعادة إنتاجه.
وبالتالي فالثابت الأول يجب أن يكون إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، وبالسياق نفسه يفرض الثابت الثاني نفسه ألا وهو التخلص من نفوذ دول الكفر والانعتاق من التبعية لها وللأنظمة التي تواليها ﻷنها لن تقبل بإسقاط حلقة من سلسلتها فكيف إن كان هذا السقوط مؤذناً بنهايتهم فستجد مكرهم تكاد تزول منه الجبال، وهذا ما حصل فكانت العصا الغليظة (النظام وروسيا وإيران وحزبها في لبنان ومرتزقة المليشيات) من جهة، والعصا الناعمة الملمس (أمريكا وتركيا وقطر والسعودية وغيرها ممن ادعى زوراً الصداقة) من جهة أخرى.
وأما الثابت الثالث فكان إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ وذلك ﻷن الثورة التي خرجت ﻹسقاط النظام فهي بحاجة لتصور البديل عن هذا النظام، وكونها قامت على النظام العلماني الكافر فكيف بها تقبل بغير شرعة ربها وكيف تطلب من الله أن ينصرها إن لم تحقق معادلة ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ وكيف ينصرها على غير طاعته.
هذه هي الثوابت الثلاثة التي لا بد للثورة أن تلتزم بها ولا تحيد عنها قيد أنملة ولا تحتاج بذلك إلا لقيادة سياسية مخلصة واعية على خطط الكفار وأعوانهم وتملك مشروعاً مستنبطاً من كتاب الله وسنة رسوله فتكون الربان الذي يقود دفة السفينة إلى بر الأمان بعد تلاطم أمواج الكفر عليها وتقاذفها بها.
وها هو حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله يقدم نفسه ﻹخوانه قيادة سياسية واعية على الأحداث ومكر الغرب وخططه، مالكة لمشروع تفصيلي يرضي رب العباد، فيا أهل الشام لا تكونوا كتلك العيس واعلموا أن الحل بين أيديكم، فسيروا على بركة الله واعلموا أن الله سبحانه﴿غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ و﴿سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾.
بقلم: الأستاذ عامر سالم أبو عبيدة
رأيك في الموضوع