عندما تشاهد الحاضنة الشعبية فصائلنا المرتبطة بالدول الغربية المستعمرة والدول الإقليمية الخانعة لها، وقد جمّدها الدعم المالي السياسي القذر في قوالب الهدن واتفاقات الحل السياسي فأفقدها مهمتها المتمثلة بتخليص أهل سوريا من طاغيتهم وإقامة حكم الله على أنقاض نظامه العميل لأمريكا... عندئذ تكون هذه الحاضنة على موعد مع مولود جديد يخرج من رحمها يبرّ بها ويصدق الله في جهاده فيقاتل على بصيرة فيصدقه الله بنصره...
وعندما ترى هذه الحاضنة أن الدول الاستعمارية المجرمة وعملاءها من الأنظمة الحاكمة في بلادنا يشعلون نارا عظيمة في الغوطة حيث أبناؤنا وأعراضنا يعانون الحصار والدمار، فإنها سوف تتلفت باحثة عن أبنائها في الفصائل تستصرخهم وتستنصرهم، لنجدة أهلنا في الغوطة فلا تسمع لهم صوتا ولا ترى منهم حراكا. فتتلفت عن شمالها فتجد فصائل الشمال منهمكة في الاقتتال فيما بينها، كل طرف حريص على قتل أخيه وأخذ مواقعه وسلب سلاحه. فتدعوهم الحاضنة لنصرة الغوطة فلا يسمعون الدعاء ولا يستجيبون للنداء، يصل إلى أسماعهم عويل الثكالى وأنين الأطفال من تحت الأنقاض فلا تحرك مشاعرهم ولا تثنيهم عن إصرارهم على مواصلة اقتتالهم، وعدوهم من خلفهم يضحك منهم. وتتلفت الحاضنة عن اليمين فتجد فصائل الجنوب قد تجرعت سم الهدنة وخفض التصعيد، وقد شلّ المال السياسي حراكها فتراهم ينظرون إلى الغوطة ولا يبصرون معاناتها، وإن تدعهم إلى نصرتها لا يسمعون. ففصائل الجنوب قد ركنت أسلحتها جانبا ورقدت في ظل خفض التوتر تغط في نوم عميق، فلا تستطيع صرخات الثكالى ولا أصوات الدمار أن تنفذ إلى أسماعهم.
فإذا أرجعت الحاضنة بصرها كرة ثانية إلى الغوطة حيث تذوب قلوبها من وحشية المجتمع الدولي ونظامه العالمي وخيانة حكام المسلمين وحقدهم جميعا على الإسلام والمسلمين وحربهم على الأطفال والمستضعفين، ترى الحاضنة كيف أن الفصائل قد أفقدها الدعم والارتباط مهمتها وأنهى صلاحيتها فغدت كالأصنام لها آذان لا تسمع بها ولها أعين لا تبصر بها. حقا لقد ذاب شمع الفصائل عن فتيل الدعم والارتباط الذي زرعه الغرب فيها!
أيتها الحاضنة الشعبية الحبيبة! لقد سرتِ في ثورتك كما الأم تتعامل مع أبنائها بعاطفة ومشاعر جياشة، مسيرة مشاعر عاطفية وليست مسيرة وعي سياسي كاف، وهذا لا يصلح للثورات إن أرادت الوصول لأهدافها؛ فلا أنت اخترتِ مشروعا لتسير عليه الثورة، ولا اخترت قيادة سياسية واعية مخلصة لثورة شامك المباركة، ولا أنت منعتِ الفصائل من الارتباط والارتهان لأوامر الداعمين! بل تركت لها الحبل على الغارب، تترنح بين التجاذبات، فوصلت إلى ما وصلت إليه، تكادين تنعي فصائلك وتبكي عليها.
أيتها الحاضنة، يا أهلنا!
منذ بداية الثورة المباركة ما حذرناك من شي إلا وكان شره مستطيرا عليك، وما أرشدناك إلى أمر إلا وكان خيرا لك. فلكل قوم رائد، ونحن رائدك الذي لا يكذبك.
يا أمنا الحاضنة! لا بد من عود على بدء ولا بد من إعادة ترتيب المسير على أسس صحيحة، فلا يصح أن لا نتعلم من كيّسنا، فالخلاص لك:
1- أن ترجعي بثورتك إلى الثورة الشعبية وتحذري من ثورة النخب وثورة الفئات
2- أن تختاري لها مشروعا تفصيليا مستنبطاً من أحكام دينك
3- أن تتخذي حزب التحرير قيادة سياسية لك يدلّك على طريق النجاة ويقدم لك الحلول والمعالجات عن خبرة وبصيرة.
4- أن تحددي ثوابت للثورة منسجمة مع أحكام دينك بدقة وعن بصيرة، ولا تصلح لثورتنا ثوابت غير هذه:
أ. إسقاط النظام المجرم بكافة رموزه وأركانه
ب. التحرر من التبعية لدول الغرب والأنظمة العميلة لها وقطع الصلات والاتصالات معها
ج. إقامة صرح الإسلام بإقامة دولته؛ الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
5- أن تعيدي بناء قواك العسكرية وذلك بـ:
أ- أن تجمعي الصادقين المخلصين من المجاهدين في كل منطقة تحت قيادة عسكرية
ب- أن تختاري وتحت إشرافك قيادة عسكرية من الضباط المخلصين أصحاب الأثر الطيب والذين لا يعرفون الارتباط مع الدول الاستعمارية وأذنابها ولا يقبلون بالدعم الخارجي ولا يرهنون قرارهم لعدوهم.
ج- أن تجمعي القادة في قيادة عسكرية واحدة في المنطقة الواحدة، وأن يقوم القادة بإعادة الهيكلية وبناء تشكيلات سليمة قائمة على العقيدة الإسلامية وتختار مشروع الإسلام مشروعا لها.
د- أن تجعلي قيادتك السياسية قيادة سياسية للتشكيلات، فيكون حزب التحرير قيادة سياسية للثورة والحاضنة والتشكيلات العسكرية.
هـ- أن تتولى الحاضنة تقديم الدعم من المال الحلال من جيوب أبنائها عن رضا تام منهم لا جبرا عنهم وليس من المال السياسي القذر للدول الداعمة.
و- أن تجمع الحاضنة السلاح الذي بين أيدي أبنائها ليكون سلاح المجاهدين فسلاح الفصائل هو سلاح للحاضنة.
فإذا سارت الحاضنة على هذه الخطوات عادت الثورة لمسارها الصحيح وعاد الجهاد لسكّته الصحيحة. عندها تكون النجدة والنصرة للغوطة، فلا يلبث النظام إلا قليلا حتى نراه يسقط بكل رموزه وأركانه تحت ضربات المجاهدين الصادقين ثم يقام على أنقاضه حكم الإسلام في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فيعود الإسلام عزيزا ويعود المسلمون سادة العالم. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
بقلم: م. كامل الحوراني
رأيك في الموضوع