"في الثامن من آذار/مارس من كل عام يجري الاحتفال بما يسمى يوم المرأة العالمي، وفيه تُقام الندوات وتُجرى اللقاءات، وتُلقى الخطب الرنانة، يحتفلون بما يطلقون عليه إنجازات النساء في المجالات السياسية، والاقتصاديّة والاجتماعية، ويكرمونها عرفاناً بجهودها وكونها (شريكة في التغيير والتقدّم)، وتعطي بعض الدول مثل "السلطة الفلسطينية" وروسيا، وكوبا، والصين النساء إجازة رسمية في هذا اليوم".
ولو عدنا إلى أساس هذا اليوم، ولماذا تم اختياره بالذات نصل إلى الثامن من آذار/مارس عام 1908م حيث تظاهرت الآلاف من العاملات في مشاغل النسيج في مدينة نيويورك احتجاجا على الظروف غير الإنسانية وساعات العمل الطويلة التي عانين منها، وقد أطلقن على حملتهن الاحتجاجية اسم "خبز وورود" حيثُ حملن قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورد خلال التظاهر. وطالبن بخفض ساعات العمل الطويلة ووقف تشغيل الأطفال، ومساواة الأجور مع الرجال، ومنح النساء حق الاقتراع. وبالرغم من أن هذه الحملة بدأت من الطبقة العاملة إلا أنّها نمت وانضمت إليها نساء من الطبقات المتوسّطة، وأصبحت تشكل حركة نسويّة قوية في أمريكا تطالب بالمساواة. وهكذا أصبح الثامن من آذار يوماً للمرأة الأمريكية تخليداً لذكرى النساء المتظاهرات والمطالِبات بحقوقهن، ومن ثم تم تعميم هذا اليوم على باقي الدول ليصبح يوماً عالمياً للمرأة.
هذه هي الصورة السائدة عن هذا اليوم، أنه يوم تكريم للمرأة في كل العالم، مثله مثل يوم الأم ويوم الحب، مسميات زائفة وأيام كاذبة يخفون من خلالها ظلمهم للمرأة وتقصيرهم نحوها وامتهانهم لكرامتها لأن نظرتهم لها لا تخرج عن المنفعة والامتهان. فماذا حققت المرأة لنفسها سوى الركض واللهاث وراء أكاذيب التمكين الاقتصادي والمكانة المجتمعية المرموقة والاستقلال والحرية على حساب نفسها وأمومتها وراحتها؟! خدعوها بوهم المساواة فأصبحت تدور كالثور في الساقية مغطاة العينين وتظن أنها مبصرة!!
ولم يكفهم هذا بل عملوا على تصدير هذه المفاهيم والترّهات إلى المرأة المسلمة، واجتهدوا في ذلك بكل الوسائل والأساليب. فأوهموها أنها بحاجة للتحرر وأخذ حقوقها الضائعة... شوهوا مفاهيم الإسلام في نظرها وأقنعوها أنها أحكام تسلط وتحكم وتقييد وسجن لها فعليها التحرر منها... خدعوها فقالوا لها إنه دين عنف يبيح ضرب المرأة، وأنه يهينها لأنه يبيح تعدد الزوجات... اخترعوا تعبير الزواج المبكر وصوروه على أنه اغتصاب مقنّع بينما أباحوا العلاقات المحرمة حتى لو في سن صغيرة وقالوا عنه حرية شخصية! أقنعوها بضرورة التمكين الاقتصادي، ومساواتها بالرجل ووجوب رفضها دورها الأساسي الذي فطرها الله عليه لأنه يتعارض مع تلك الحقوق والمساواة!
وتبرز في يوم المرأة قضايا مُلحّة مثل حق المرأة في العمل والتصدي للعنف ضد النساء، ووضعية النساء والأطفال في الحروب، وحقها السياسي وغيرها من المسائل المطلوبة للتقريب بينها وبين الرجل. وباعترافهم فإنه لا تزال هناك مساحة فاصلة بين الرجال والنساء في الكثير من الأمور، بما في ذلك الدول المتقدمة؛ وقد تنبأ المؤتمر الاقتصادي العالمي (دافوس) بأن هذه الفجوة لن تغلق تماما إلا بحلول عام 2186، وتظهر دعوات المساواة ووقف التحرش بدون النظر إلى أسباب ذلك عندهم.
فمع هذا التركيز على يوم المرأة العالمي وفعالياته في كل العالم كل عام هل اختفى العنف أو تناقص؟ فحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في تشرين 2014 فإن حوالي 35% من النساء في أنحاء العالم كافة، أي أكثر من الثلث؛ يتعرضن في حياتهن للعنف الجنسي وسوء المعاملة على يد أقرباء أو غرباء. كما نشرت منظمة "اليونيسيف" تقريرا ذكرت فيه أن واحدة من كل عشر فتيات في العالم أو ما يعادل 120 مليون فتاة تحت سن العشرين كانت ضحية لعملية عنف جنسي. وليس هذا مقتصرا على الدول الفقيرة أو البلاد الإسلامية كما يدّعون، بل إن الأرقام في الدول "الرائدة" في مجال المساواة بين الجنسين والمتشدقة بالحقوق والحريات صادمة: فالنسبة للدنمارك قد تجاوزت 52% وفي فنلندا 47% أما في السويد فبلغت 46% بينما فيبريطانيا قدرت بــ44%!! وهذا العنف يشمل الضرب والقتل والاعتداءات الجنسية من تحرش واغتصاب، وكذلك يشمل العنف اللفظي الذي يتعرضن له، وقد يكون صادرا من فرد أو جماعة أو دولة. والإحصائيات تزداد يوما بعد يوم والأمر يزداد تفاقما من عام لآخر، وكما نرى فإن العنف ضد المرأة في الدول التي لا تتبع الإسلام كثيرة ومتعددة ومتنوعة، ولكنهم لا يركزون عليها مثلما يركزون على العنف في البلاد الإسلامية وفيه يكثر الهجوم على الإسلام وأحكامه وكأنه هو المسئول عن كل هذا، مع أن الظلم لها هو بسبب الابتعاد عن الإسلام وليس بسبب الإسلام كما يدعون ويريدون للمرأة المسلمة أن تصدق! مستغلين الخلط بين العادات البالية التي تهضم حقوق المرأة والتي في بعض المناطق تمنع المرأة من التعليم والعمل والموافقة على الزوج أو الميراث أو تنظر إليها نظرة استخفاف أو عدم احترام أو لا يسمح لها بالإدلاء برأيها وغير ذلك من سلوكيات.
إن تكريم المرأة لا يكون في يوم واحد في السنة تتناثر فيه الشعارات وتتعالى فيه أصوات الخطباء بخطب رنانة وألفاظ براقة تخلب عقول البسطاء وسطحيي التفكير من الناس، يهاجمون فيها أحكام الإسلام وخاصة أحكام النظام الاجتماعي الذي يحدد علاقة المرأة بالرجل بشكل يحفظ كليهما ويحفظ الأسرة والمجتمع بحيث يبقى مجتمعا قويا متماسكا متجانسا، وهذا ما لا يريده أعداء الإسلام وأعوانهم، بل يريدون أن تكون الأسرة والمجتمع متفككا منحلا منقادا لأفكارهم ومفاهيمهم الفاسدة بحيث تسهل السيطرة عليه والتحكم فيه بحيث لا ينهض أبدا... بل إن تكريمها يكون بتطبيق أحكام الإسلام عليها، هذا الشرع الذي كرمها دوما وفي كل وقت وحين وليس في يوم واحد كل عام، فقد أوصى بها الله ورسوله، وأمرا بصلتها في كل دور من أدوار حياتها، فهي الأم والأخت والابنة والزوجة والخالة والعمة والجَدّة... وإن الحقوق المستحقة والواجبات المنوطة بالمرأة والمذكورة في القرآن والتي أوصى بها رسولنا الكريم e هو تكريم لها واحتفال دائم بها.
ولكن من جهة أخرى - وبغياب الدولة الراعية - فالمجتمع يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، فصحيح أن هناك مؤامرة وحربا على المرأة من الخارج لكن ما كان لها أن تنجح لولا التقصير والظلم للمرأة وعدم التعامل معها بالطريقة الشرعية، ففتح ذلك ثغرات دخلت منها الجمعيات الخيرية واتخذت منها الحجة حيث المسلمون اليوم بعيدون عن تطبيق أحكام الإسلام في التعامل معها... ناهيك عن دور علماء السوء ووسائل الإعلام المختلفة والموجهة التي تزين حضارة الغرب الفاسدة، وتُبعدهم عن مفاهيم الإسلام الصحيحة.
فسحقا لهم ولأعيادهم الزائفة وشعاراتهم الكاذبة الخادعة وأهلا بالإسلام الحقيقي غير المشوه بترّهات وفتاوى أدعياء مضللين يقولون عن أنفسهم علماء وشيوخ أهلا بالإسلام الحقيقي الصافي غير المحرَّف شريعة ومنهاجا ودستور حياة... وأنت أيتها المرأة أبصري أين طريقك الصحيح واتبعيه ولا تنخدعي بتلك الشعارات الزائفة البراقة الخادعة، وبتلك الأيام والاحتفالات الكاذبة. قال تعالى: ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾.
بقلم: الأستاذة مسلمة الشامي (أم صهيب)
رأيك في الموضوع